تونس - أصبحت قضية «جهاد النكاح» في تونس كابوساً يقضّ مضاجع العائلات التي أصيب بعضها بالصدمة لعودة بناتهم من سوريا حوامل من علاقات جرى «تشريعها» دينياً بصورة مقززة بهدف إمتاع «الجهاديين» في سوريا وغيرها.
فالدعوى القضائية التي رفعتها نقابة الأئمة التونسيين ضد وزير الشؤون الدينية نورالدين الخادمي، بسبب تمكينه السلفيين من المساجد، والذي كانت نتيجته خروج عشرات الفتيات من تونس الى ممارسة «جهاد النكاح»، تزامنت مع ما كشفه وزير الداخلية لطفي بن جدو، منذ أيام أمام المجلس الوطني التأسيسي في تونس في جلسة مساءلة، عن تفكيك شبكة لتجنيد فتيات تونسيات بعضهن قاصرات وتسفيرهن إلى سوريا عبر ليبيا وتركيا لممارسة «جهاد النكاح» مع مقاتلين إسلاميين هناك. واستجابة لفتاوى بعض دعاة الخليج جرى التغرير بعدد كبير من الفتيات التونسيات المنحدرات من أسر فقيرة ومن مستويات تعليمية متدنية، حيث قدّم الوزير أرقاماً تبعث على الخوف والأسف، إذ إن نحو مئة فتاة عدن وهن حوامل، وبعضهن يحملن مرض السيدا. وأكد الوزير التونسي أن مصالح الوزارة تتلقى يومياً نداءات استغاثة من فتيات تونسيات في سوريا لإنقاذهن من كابوس «الجهاد».
ما حدث للفتيات التونسيات مأساة حقيقية حمّلت المعارضة مسؤوليتها لحركة النهضة التي فتحت الباب لدعاة الخليج وفسحت المجال واسعاً للسلفيين لتجنيد الفتيات انطلاقاً من المساجد.
ولاستيعاب تداعيات هذه الظاهرة، أنشأ الاتحاد الوطني للمرأة التونسية خلية للإحاطة النفسية بهؤلاء الفتيات، بينما رفعت نقابة الأئمة دعوى قضائية ضد وزير الشؤون الدينية الذي مكن السلفيين من المساجد، حيث دعوا وشجّعوا وأفتوا بزواج النكاح لـ«التخفيف على المجاهدين» في سوريا عبر جمعيات «خيرية». وذهبت النقابة إلى حدّ التهديد بالإضراب العام يوم عيد الأضحى، وهي الدعوة التي تثير الآن الكثير من الجدل.
بدورهم، النشطاء الحقوقيون طالبوا وزير الداخلية بإيقاف كل من سيكشف عنه البحث في هذه الشبكة الإجرامية، إذ أكد الأخير أنه تم إيقاف شبكة تضم نحو ٨٠ عنصراً في مدينة بن قردان على الحدود مع ليبيا.
وكانت الداخلية منعت عدداً كبيراً من الفتيات من السفر إلى تركيا للاشتباه في تورطهن في هذه الشبكة التي تقدم لهن مبالغ مالية مقابل الالتحاق بسوريا وبمعاقل «المجاهدين».
هذه المأساة الإنسانية ليست جديدة، إذ انطلقت منذ أن قطع الرئيس المؤقت محمد المنصف المرزوقي العلاقات مع سوريا وطرد سفيرها، وفتح الباب لمؤتمر «أصدقاء سوريا» بتعليمات من قطر، حسبما تقول بعض أحزاب المعارضة. لكن «النهضة» ظلّت تنكر ذلك، رغم أن بعض قيادييها، مثل الحبيب اللوز، عبّر عن مساندته للشبان التونسيين الذين سافروا إلى سوريا للـ«جهاد»، وقتل منهم نحو ألفي شاب على أيدي عناصر الجيش السوري وأعوانه. وفي محاولة لاستيعاب بعض فصول هذه المأساة، عبّر اللوز عن استعداد لتبنّي أطفال «الجهاد»، لكنه نفى مسؤولية حركته عن الترويج لذلك.
بدورها، توعدت وكالة «بناء نيوز»، القريبة من «النهضة»، الصحف والنشطاء الذين تداولوا بأن التصريح عن فضيحة الحوامل «نُشر على موقع الوكالة ثم سُحب بسرعة».
المفارقة أن هذه المأساة تحدث في تونس التي كانت أول بلد عربي يمنع تعدد الزوجات ويمنع تزويج المرأة من دون رضاها، ويوفّر للزوجة كل الضمانات في حضانة الأبناء بعد الطلاق، وحقها في العمل والمساواة، وإلزامية التعليم، كما جاء في مجلة الأحوال الشخصية التي صدرت في شهر آب ١٩٥٦ قبل إعلان الجمهورية في العهد الملكي.
لقد أصبحت فتيات تونس الخضراء تُباع في سوق نخاسة جديد في القرن الحادي والعشرين. واقع عبّأ الشارع ضد الاسلاميين السلفيين وانعكس على محتضنيهم في السلطة من حركة النهضة. ففي الشارع التونسي وفي وسائل الإعلام، لا حديث إلا عن هذه الفضيحة التي تُضاف إلى سلسلة إخفاقات حكومة الترويكا.
وبات هناك شبه اقتناع في أوساط المعارضة بأن إرسال الشبان الى سوريا هدفه تأهيلهم عسكرياً ليكونوا في المستقبل على استعداد لمواجهة أي انتفاضة شعبية ضد السلطة.
وقبل أن تكشف عنه نقابات الأمن وبعض المدونين، كان «جهاد النكاح» في البداية مجرد تسريبات صحافية شككت حركة النهضة في صحتها، واعتبرتها جزءاً من حملة التشويه التي تتعرض لها.
لكن بعد تصريحات بن جدو، لم يعد هناك شك في وجود هذه الشبكات. إلا أن السؤال الأكثر إيلاماً هو حول مستقبل الأطفال الذين سيولدون من «المجاهدين» المتعددي الجنسيات. خصوصاً أن وزير الداخلية أكد أن الفتيات يتداول عليهن العشرات من الرجال الذين يواجهون النظام السوري.
لن يغفر التونسيون للترويكا كيف تحولت في عهدها حفيدات الطاهر الحداد والحبيب بورقيبة إلى عاهرات في سوق النخاسة بغلاف ديني هذه المرة. فبعدما كانت تونس في الصحافة الدولية عنواناً لتحرر المرأة أصبحت مركزاً لهتك حرمتها.