باراك أوباما بارع في الكلام، هذا أمر مفروغ منه. لكن متابعي خطاب الرئيس الاميركي في الأمم المتحدة لم يشاؤوا الوقوع في فخّ «الكلام المنمّق»، وخصوصاً في هذه المرحلة السياسية الحساسة، بل أرادوا التقاط إشارات صريحة تحدد، ولو لمرّة، موقفاً رئاسياً واضحاً في السياسة الخارجية الأميركية.
كلام أوباما في الجمعية العمومية، كان واضحاً «الى حدّ ما»، وأعطى الكثير من الإشارات الصريحة. اختلفت القراءات بين المحللين الأميركيين في أبرز نقاط الخطاب، لكن الخلاصة المشتركة هي أن الرئيس أعلن للعالم سياسة أميركية خارجية متناسقة هذه المرة، تحدد الأولويات وتزيل الغموض في بعض المواقف، وتعيد الى الأذهان المبادئ الأساسية التي انتخب الرئيس على أساسها.
في الأولويات اختار أوباما: السعي الى حلّ دبلوماسي لإنهاء الأزمة مع إيران حول برنامجها النووي والتوصل الى حلّ للصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني بإقامة دولة للفلسطينيين لا تهدد أمن إسرائيل. وبشأن سوريا، التزم الرئيس الأميركي السير جنباً الى جنب مع الروس، لكنه أبقى تهديداته مرفوعة في وجه إيران النووية وسوريا الكيميائية. أوباما كان واضحاً: لن نتدخل في حروب خارجية بعد الآن، ولن نتدخل في شؤون الدول الأخرى، لكن على العالم أن يتحمل الفوضى التي ستنتج من ذلك.
البعض رأى في ذلك الإعلان، إعادة هيكلة حكيمة للسياسة الخارجية الأميركية بعد أن انحرف أوباما «بنحو مفاجئ» منذ سنوات وشنّ حروباً صامتة من خلال الطائرات من دون طيار على أهداف متنقلة عديدة، ثم شارك في حرب معلنة على ليبيا، وهدّد أخيراً بضربة عسكرية مباشرة على سوريا.
«خطاب الأمم المتحدة برهن أن عقيدة أوباما تتطور مرة جديدة»، قال ديفيد إي سانغر في «ذي نيويورك تايمز». سانغر روى كيف تحولت سياسة أوباما وتغيرت صورته لدى شعوب العالم من جنوب آسيا إلى الشرق الأوسط، بعد أن انخرط في عدة حروب. الكاتب قال إن أوباما اختار حلّ أزمتين في منطقة «أحرجت بوشَين وكلينتونَين لتصبح الإرث الذي سيكمل على أساسه بقية عهده». لكن سانغر شكك في أن يكون ذلك «ممكناً خلال ثلاث سنوات وأربعة أشهر». الكاتب عبّر عن دهشته من «عدم وضع سوريا بين أولويات الرئيس وعدم التحدث عن استراتيجية طويلة الأمد في هذا الملف». «تعلّم أوباما الدروس المرّة من البقاء في أفغانستان والانخراط في ليبيا التي غرقت في فوضى عارمة بعد التدخل العسكري»، يشرح الكاتب ويضيف: «السؤال العالق يبقى: متى سيستخدم أوباما القوة بعد 5 سنوات من التجارب المختلفة؟». أما بالنسبة إلى إيران، فيخلص الكاتب إلى أن «الملف الإيراني مختلف، وأن المخاطر هناك بالنسبة إلى واشنطن وحليفتها تل أبيب أكبر بكثير»، ويتابع: «بعد خمس سنوات من تطور عقيدة أوباما وتغيّرها، هل سيصدّقه الإيرانيون هذه المرة؟».
وفي الملف الإيراني وافقت افتتاحية «ذي لوس أنجلس تايمز» أيضاً على «وجوب امتحان الدبلوماسية مع إيران» كما اقترح أوباما، وأشارت الى أنه على الرغم من وجود «قلّة ثقة تاريخية» بين الطرفين، إلا أن التعويل قد يكون على «عمل عناصر في فريقي الرئيسين وراء الكواليس وأن غياب الصورة الثنائية والمصافحة بين الرئيسين ستُنسى إن حقق هؤلاء تقدماً ما في الملف النووي».
«هو أهمّ خطاب لأوباما في الأمم المتحدة» وصفه روبن رايت في «ذي لوس أنجلس تايمز»، واضعاً إياه في خانة «أهمّ المبادرات العلنية الجدّية الاميركية لحلّ الخلاف مع إيران منذ عام 1979». رايت لفت إلى أهمية أن يولي أوباما وزير خارجيته جون كيري شخصياً مهمة التعامل مباشرة مع الإيرانيين، إضافة الى 5 أطراف دولية اخرى، «في خطوة مهمة جداً لامتحان جدية روحاني ورغبته بحلّ الأزمة النووية... وتلك قد تكون خطوة مفصلية».
لكن التقرّب من إيران بغية التوصل إلى حلّ، أزعج الجمهوريين، ما دفع بعض أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين جون ماكين وليندسي غراهام وكيلي ايوت الى اصدار بيان قالوا فيه إنه «يتعيّن التعامل مع المبادرة الدبلوماسية الراهنة بعيون مفتوحة، ويجب ألّا نسمح لإيران باستغلال المفاوضات كأداة للتسويف والخداع».
وفي هذا الإطار، قال آرون ديفيد ميلر، وهو مسؤول كبير سابق في الخارجية الاميركية ويعمل في مركز وودرو ويلسون في واشنطن إن «الكونغرس لا مصلحة له في تفسير الشك لمصلحة إيران. ولن يفعل ذلك حتى يرى أمراً ملموساً جداً من جانب الايرانيين».
كلام أوباما في الأمم المتحدة لم يلقَ إعجاب الجميع، والنبرة المسالمة وإعلان اعتماد «الدبلوماسية أولاً» في ملفين محوريين في المنطقة لم تنل تأييد كثيرين. بعض المحللين الاميركيين عادوا لأسلوب «اللطم»؛ إذ رأوا أن خطاب رئيسهم الأخير «يكرّس انتهاء الإمبراطورية الاميركية» و«ريادتها في قيادة السياسات العالمية». آخرون انتقدوا سلباً أفكاراً قديمة مثل «السعي إلى إنهاء الحروب في المنطقة»، والمقصود هنا هو فقط انسحاب أميركي من بعض الجبهات المفتوحة، واخرى غير واضحة مثل «الدفاع عن المصالح الاميركية في المنطقة من دون الاشارة الى ضرورة إنهاء الفوضى التي تعمّ المنطقة والتي تضرّ بتلك المصالح». ومن بين الانتقادات السلبية أيضاً لاحظ بعض الصحافيين أن الرئيس لم يفصح عن خطة واضحة من أجل التوصل الى حلّ للأزمة الفلسطينية ـ الإسرائيلية، التي وضعها أوباما من بين أولويات بقية عهده. هؤلاء عبّروا عن خشية من أن يبقى الكلام في اطار الوعود الشفهية التي اشتهر بها الرئيس من دون خطط واضحة وقابلة للتنفيذ. «إلى أي مدى ستكون الإدارة الاميركية نزيهة إذاً في كل ما أعلنه أوباما في خطابه؟»، سأل البعض.

يمكنكم متابعة صباح أيوب عبر تويتر | Sabahayoub@





قطر تلعق جراحها

قالت صحيفة «ذي فاينانشيال تايمز» البريطانية إن «قطر تحاول معالجة جراحها وتعيد النظر في دورها في سياسة الشرق الأوسط». وتوقعت الصحيفة أن تتبنى قطر سياسة خارجية «أكثر توافقية» تحت قيادة أميرها الجديد بعد أن «أزعجت الإمارة الغنية بالنفط بعض جيرانها بتأييدها للرئيس المصري المعزول محمد مرسي وتمويلها للمقاتلين السوريين».
وذكرت الصحيفة أن قطر أنفقت «أكثر من 3 مليارات دولار في العامين الماضيين لدعم المعارضة المسلحة في سوريا، وكانت أكبر الدول الممولة للمعارضة السورية». وأشارت الصحيفة إلى أن كلّاً من الإمارات العربية والسعودية «ما زالتا مشككتين في نيات قطر ودعمها للإخوان المسلمين في مصر بسبب استضافتها الشيخ يوسف القرضاوي وتمويل قناة الجزيرة».
ونقلت الصحيفة عن محللين قولهم إن قطر لن تبقى معزولة ولن تبتعد عن سياسة المنطقة، بل «ستؤدي دوراً توافقياً ضمن إطار الأهداف العامة لدول الخليج».