غزة | تتقاسم البحرية المصرية مع بحرية الاحتلال دور عزل بحر قطاع غزّة عن سكانه الذين يتشبّثون بأرفع خيوط الحياة، في محاولة لهزم حركة «حماس» الحاكمة وإنهاكها حدّ الاستسلام والخضوع لشروطها، بعدما رأت فيها تهديداً لأمنها بحكم أنها أيدت «الإخوان المسلمين» المخلوعين من الحكم في مصر. لا يهم أن يكون الصيّاد حمساوياً لتنتقم منه، بل كلّ ما تكترث له أن تقضي على بذرة «الإرهاب»، وتوصل رسالةً لـ«حماس» مفادها أنه ليس من الصعب بسط سيطرتها على بحر غزّة، بل على كل القطاع، إن شعرت بأي تهديد يتأتى من الابنة البارّة لجماعة «الإخوان المسلمين» المتهاوية في مصر. ومع عزل الرئيس المصري محمد مرسي، ما عاد غريباً أن تُطلق البحرية المصرية نيرانها على صيّادي غزّة، بل بات الغريب أن يمرّ يوم الصيادين بسلام من دون أن يعكّره اعتداء من الجانب المصري أو الاسرائيلي. ووصلت المسألة الى حدّ إصدار محكمة عسكرية مصرية حكماً بالسجن عاماً واحداً وغرامة 500 جنيه على خمسة صيادين من غزّة، بحجة «دخول المياه الإقليمية المصرية بطريقة غير مشروعة». هذه الطرق «غير المشروعة» باتت الحديث الدائم للحاكم المصري الحالي، وإن تنوعت ظروفها. في الأمس القريب، قتلت البحرية المصرية اللاجئين الفلسطينيين عمر دلول وفدوى طه في عرض البحر؛ دلول وطه هربا من موتهما المحقق، بصحبة 200 لاجئ سوري وفلسطيني، بعدما وصل التحريض ضدهم إلى ذروته في أرض الكنانة. ظنّا أن طريق فرارهم من مصر نحو السواحل الإيطالية سيكون أسرع من طريق الموت، لكن الأخير كان أسرع من البرق وخطفهما بلمح البصر.
إسماعيل جمال بصلة، وخالد جمال بصلة، وماهر مازن بصلة، ومحمود ناهض بصلة، وخالد رضوان شلوف، خمسة صيادين جارت عليهم مصر، وأدخلتهم سجونها. بدأت قصة المعتقلين الخمسة يوم الثلاثين من الشهر الماضي، حينما نزلوا إلى البحر الساعة الثانية صباحاً، ونصبوا شباك صيدهم كالمعتاد الى أن باغتتهم الزوارق المصرية الحربية والمطاطيّة التي اخترقت المياه الإقليمية الفلسطينية، وحاصرت قاربهم المشترك وخمسة قوارب أخرى في بحر محافظة رفح على مقربة من الحدود البحرية مع مصر. وجّهت الزوارق حينها نيرانها بشكل مباشر على قواربهم، بهدف تعطيل محركاتها واعتقال أصحابها؛ فكان لها ما شاءت، وأصابت الصيادين إبراهيم النجار وإسماعيل البردويل، واعتقلت خمسة آخرين واقتادتهم إلى جهة مجهولة، فضلاً عن مصادرتها مركبهم المقدّر ثمنه بـ 20 ألف دولار أميركي. وقضى المحكومون الخمسة 16 يوماً بملابس البحر التي اعتُقلوا فيها، في سجن الجلاء العسكري بمحافظة الإسماعيلية، وفق معلومات أفاد بها المحامي المكلّف بمتابعة ملفهم. وعلى الرغم من ضيق الحال، غير أن أهالي الصيادين لم يقفوا مكتوفي الأيدي أمام مواجهة أبنائهم هذا الحكم، فكلّفوا محامياً مصرياً بمتابعة قضيته، ووعد بإخلاء سبيلهم، غير أن صدور الحكم أثار صدمة كبيرة في نفوسهم، بعدما توقعوا عدم تجاوز مكوثهم في الحجز أكثر من أسبوعين أو أشهر على أبعد تقدير.
حوادث كثيرة تكرّرت الفترة الأخيرة تدلّ على أن مصر تشير بأصابع اتهامها إلى غزة. عمر البردويل أحد الصيادين الذين واجهوا فصلاً كاملاً من فصول الموت برفقة نجله زياد يوم السبت الماضي. البردويل لم يخرج عن نطاق المياه الإقليمية الفلسطينية، ولم يرتكب أي ذنبٍ سوى أنه حاول أن يعود لعائلته بلقمة العيش. توجّه نحو حوض ميناء مدينة رفح من الجهة الشمالية القريبة من خان يونس، واقترب على بعد 4 كيلومترات من المياه المصرية، لعلّ بعض السمك يتشبّث بشباكه، ويعود إلى عائلته ويداه مليئتان بالخير. غير أن البحرية المصرية وجدت أنه ارتكب ذنباً عظيماً، فاعتقلته ولم تتركه إلا بعدما كسّرت جميع أضلاعه. يقصّ البردويل لـ«الأخبار» ما عاشه في ذاك اليوم، قائلاً: «فوجئت بزورقين مصريين يدخلان بشكل مباغت المياه الفلسطينية، ويطلقان النار بشكل جنوني نحونا. حينها، لم أستطع أن أتمالك نفسي وحاولت مسرعاً سحب الشباك المنصوبة للصيد، لكن توقّف أحد الزوارق المصرية على مقربة من مركبي والشروع بإطلاق النار نحوي حال دون ذلك». وأضاف: «تعطّل محرك المركب، فاضطررت إلى النزول للبحر برفقة نجلي، خشيةً من اعتقالي. لكن لعجز ابني عن السباحة، لم يكن أمامي خيارٌ سوى تسليم نفسي». لم تتوقف قصة البردويل عند هذا الحد، بل انهالت عناصر البحرية المصرية عليه بالضرب بالعصي ومؤخرة البنادق وركلته بأقدامها، مع تلفظها بألفاظ نابية وشتمها والدته وأهله. وبقي البردويل على هذا الحال لمدة ربع ساعة، ثم أطلقت البحرية سراحه وجسده مثخن بالجراح.
لم تؤاخذ البحرية المصرية نفسها، بعدما تناقلت وسائل الإعلام حكاية البردويل، بل عمدت الى تقديم ملف الصيادين الخمسة إلى محكمة الإسماعيلية العسكرية. يقول جمال بصلة، والد اثنين من الصيادين الخمسة المعتقلين، لـ«الأخبار»: «لا علاقة لأبنائي بكل ما يحدث في مصر من تخريب وقتل، فنحن نمتهن مهنة الصيد ونعمل في المنطقة منذ 6 سنوات»، مضيفاً: «لا يمكننا أن ننتهك السيادة المصرية ونعبث بأمنها، لكن لقمة العيش الصعبة تدفعنا للبحث عنها في كلّ مكان». وناشد بصلة السلطات المصرية بالإفراج عن أبنائه ورفاقه الصيادين، وإعادتهم سالمين غانمين إليهم. وبين نيران الاحتلال، وحبل خنق البحرية المصرية له، يبقى الصياد الغزي في مهبّ مصير مجهول.



يمكنكم متابعة عروبة عثمان عبر تويتر | @OroubaAyyoubOth




الصيادون ليسوا بأمان

يعجز صيادو غزة عن استيعاب كل الضربات مرّة واحدة؛ فبعد أن يستفيقوا من ضربة البحرية المصرية لهم، يسارع الاحتلال الإسرائيلي إلى إيقاع أقصى العقوبات بحقهم. كان آخر هذه العقوبات قبل يومين، حيث أطلق جنود قوات بحريته نيراناً كثيفة تجاه قارب صيد، كان على متنه خمسة صيادين على بعد نحو 6 أميال بحرية غرب ميناء غزة البحري. هذه العقوبة القاسية لم ينجُ منها الصيادون بأمان، فكان قدر أحدهم بتر احدى أصابع يده اليمنى، فيما بلغ عدد الصيادين المعتقلين منذ تطبيق اتفاق التهدئة مع الاحتلال أكثر من 60 صياداً تم الإفراج عنهم جميعاً، عدا واحد يتعنّت الاحتلال في قضيته لأسباب وحجج واهية.
بدوره، دعا المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان إلى الوقف الفوري لسياسة ملاحقة الصيادين، والسماح لهم بركوب البحر وممارسة عملهم بحرية تامة، مطالباً بتعويضهم عن الأضرار الجسدية والمادية التي تلحق بهم بشكلٍ شبه يومي، وفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.