فائق حويجة *عام مر على غياب «أبي المجد»، عبد العزيز الخيّر؛ دون خبر!
وأبو المجد؛ إنسان من هذا الوطن «ولد ونشأ وترعرع» ناشداً الحرية.
في نشدانه هذا المطلق؛ غابت عنه حريته الشخصية: تخفى واعتقل ما يقارب الربع قرن...
هذا من طبائع الأمور في بلد يعاني ضروباً من الاستبداد والتخلف وضياع الحقوق.
عندما لاحت تباشير الحرية؛ ألقى أبو المجد نفسه في خضمها؛ ودخل التجربة من بابيها: باب الوطن؛ الذي لا يريد له الاستبداد أن يكون من دونه: إما أن يبقى الاثنان معاً أو أن يزولا معاً.
وتراجيديا الإنسان؛ الذي في توقه للحرية يحرص على الوطن ولا يريده دون حرية؛ في ذات الوقت يدرك أن حرية فوق دمار أو بقايا وطن؛ ستكون جوفاء... كذبة كبرى وأخرى في أحسن الأحوال!
لأنه أراد الوطن الموحد؛ سيد نفسه؛ مع الحرية والكرامة... وضع نفسه في مرمى كل مطلق نار... وما أكثرهم.
نيران الاستبداد التي اكتوى بنارها؛ وخبرها؛ وعاش مقاوماً لها من جهة؛
ونيران أخرى؛ «ليست صديقة» شعبوية؛ متنفجة؛ تافهة...
من جهة أخرى كان الخيار الأسهل له وهو «ابن الطائفة الكريمة» وصاحب التاريخ السياسي والنضالي الطويل أن يتصدر المشهد السوريالي: إما بالمداورة على خيار الحرية والكرامة ــ أي بالمداورة على كل التاريخ الشخصي على الأقل ــ أو باللحاق بالغريزة واختيار الصوت الأعلى، على علاته.
لكنه تذكر مع ابن المقفع أن أعلى الأصوات لا تصدر إلا عن الأشياء الفارغة.
لذلك فقد انحاز للأصالة التي تبحث في الجوهر: انحاز لسوريا المستقبل... سوريا الإنسان.
لم يكن أبو المجد وسطياً في يوم من الأيام؛ لا في بنائه المنطقي ولا في تصوره للانتفاضة السورية؛ لكنه كان، كما أزعم: جذرياً في الرؤية، عقلانياً في التحليل، وجدياً في الممارسة. الأمر الذي جعله ــ من وجهة نظر أصحاب الأصوات العالية ــ عرضةً لكل صنوف الاتهام التي تصل في كثير من الحالات حدود الابتذال والسفاهة. لكن هذا الأمر لم يثنه عن ضرورة إحكام العقل والتصرف بحكمة من يريد الحفاظ على وطن بعيداً عن الأوهام والأكاذيب.
لم يكن أبو المجد قديساً؛ لكن نظرته المتألمة والمتأملة بعد مهاجمته بالبيض في القاهرة؛ من قبل عتاة المعارضة كانت تحذر من أن الأفق الذي يرسمه الاستبداد؛ بمعية هؤلاء العتاة لن يقودنا إلا إلى كارثة؛ في أحسن الأحوال: إلى استبداد مكان استبداد.
كان يدرك أن الساكتين عن «غزوة البيض» قد شرعنوا «موضوعياً» كل الغزوات، التي طالت أهداف الانتفاضة في الحرية والكرامة.
إن تغييب عبد العزيز الخيّر، قبل اختطافه وبعده، ومن قبل جميع الأطراف باختلاف الدرجات، هو محاولة لقطع الطريق أمام حق الإنسان في التوق والحلم والحرية والكرامة. حقه في الذود عن اعتقاده وقناعاته حتى آخر صلب هو إيغال في الجريمة والنذالة حتى أبعد مدى.
إنه في غيابه، يمثل إدانة كبرى لضيق الأفق والهمجية والتفاهة التي تدعي احتكار الحقيقة في كل زمان ومكان.
أبا المجد، أدّعي أنك في غيابك، وفي خفوت صوتك، أكثر حضوراً وعلو كعب من كثيرين.
الحرية تليق بالشعب السوري. الحرية تليق بك.
* ناشط حقوقي وسياسي سوري