في صالة الانتظار أمام معبر رفح الحدودي مع مصر، المنفذ الوحيد لسكان قطاع غزة بالعالم، والمغلق منذ أكثر من سبعة أيام لأسباب أمنية، تناسى شاب فلسطيني الجنسية كونه رجلاً وترك عينيه تسبحان في بحر من الدموع الحارقة، خادشاً بأظفاره حافلة الركاب الأولى التي انطلقت نحو البوابة المصرية لمعبر رفح إثر تلقيها إشارةً بالتحرك من أحد الجنود المصريين.
في محاولةٍ منه لإيقاف الحافلة والصعود على متنها، شارك محمد الأسطل مع عشرات الطلبة الفلسطينيين الذين يكملون دراساتهم في الخارج، وفضلوا قضاء إجازاتهم مع ذويهم في القطاع، فغابوا عن بدء عامهم الدراسي، وإن طال غيابهم، فسيُمنَعون من إكمال دراساتهم.
الأسطل، وهو طالب يدرس الطب في جامعة المنصورة في مصر، قال لـ«الأخبار»: «منذ أسبوعين وأنا آتي يومياً إلى معبر رفح من الساعة السادسة صباحاً، متمنياً أن يسمح لي بالسفر لمواصلة دراستي، لكن دون جدوى»، موضحاً أن دراسته ستبدأ خلال هذا الأسبوع، وعدم السماح له بالسفر يعني فقدانه الكثير من الدروس المهمة، وخاصة أن دراسة الطب تحتاج الالتزام في كافة المحاضرات.
أكثر من ألفي مسافر يحلمون بأن يستطيعوا السفر خلال اليوم وغداً عبر معبر رفح، بعد أن سمحت السلطات المصرية بفتحه لمدة يومين. ضج بهم الأمر، ولم يستطيعوا سوى عرقلة الحافلات المليئة بالمسافرين المرضى وأصحاب الإقامة والجنسيات الأجنبية، فما كان من قوات أمن «حماس» إلا أن دفعت بهم بعيداً بواسطة الهراوات والاشتباك بالأيدي، حتى غادرت ثلاث حافلات بوابة قطاع غزة في طريقها إلى مصر.
«على جميع الطلاب التوجه إلى معبر رفح غداً صباحاً. هذا ما أكدته السفارة الفلسطينية في خبر لها نشر أمس»، قال حسن، وهو يدرس ماجستير قانون في معهد الدراسات والبحوث في مصر، موضحاً أن «غياب شهر كامل عن الفصل الجديد يعني خسارة الفصل كاملاً». وعبر حسن عن حقه بأن يكون على قائمة المسافرين العاجلين مع المرضى، وخاصة بعدما أصدر السفير الفلسطيني لدى مصر بركات الفرا، بياناً الثلاثاء طالب فيه الطلاب العالقين في غزة والمسجلين في الجامعات المصرية بالتوجه إلى المعبر بعد تنسيقهم مع السفارة.
ومن جانبه، قال ماهر أبو صبحة، المدير العام لهيئة المعابر بوزارة الداخلية المصرية، «إن الطلاب العالقين لهم الأولوية في السفر، ولكن هنالك حالات إنسانية من مرضى وأصحاب إقامات قد تنتهي في أي لحظة بحاجة للخروج من غزة وإلا فقدوا حياتهم خارجها».
وكانت السلطات المصرية قد أعلنت الاثنين فتح معبر رفح الحدودي مع القطاع ليومي الأربعاء والخميس من الساعة العاشرة صباحاً وحتى الثانية ظهراً، بناءً على طلب من الرئيس الفلسطيني محمود عباس لزيادة الحالات العاجلة التي هي بحاجة للسفر.
وكشف المدير العام للمعابر والحدود في غزة، ماهر أبو صبحة، عن وجود أكثر من 4500 مواطن مسجل على الكشوفات العاجلة للسفر، مؤكداً أن جميعهم ذوو حالات إنسانية من مرضى وأصحاب الإقامات والطلبة، فيما قال وزير الصحة في حكومة «حماس»، مفيد المخللاتي، في مؤتمر صحافي عقدته وزارة الصحة، إن «إغلاق المعبر أدى إلى منع وصول أكثر من ألف مريض للمستشفيات المصرية وتلقي علاجهم، بالإضافة إلى عدم مقدرة الوفود الطبية الأجنبية من الوصول إلى قطاع غزة، نظراً إلى استمرار إغلاق المعبر».
وكانت السلطات المصرية قد أغلقت المعبر الأربعاء الماضي عقب هجوم شنه عناصر مسلحون بسيارتين محملتين متفجرات على مبنى الاستخبارات العسكرية في مدينة رفح المصرية على الحدود مع القطاع، ما أدى إلى مقتل ستة عسكريين مصريين وإصابة 17 آخرين.
وتستمر مصاعب عمل معبر رفح التي يشهدها منذ أن عزل الجيش المصري الرئيس محمد مرسي في الثالث من تموز الماضي، وقلصت السلطات المصرية منذ ذلك الوقت عمل المعبر ليقتصر على أربع ساعات يومياً، وهو ما يكاد يكفي سفر المرضى وأصحاب الإقامات الخارجية. وآلاف المسافرين من طلبة ومرضى وأصحاب إقامات شارفت على الانتهاء، مكدسون على بوابة المعبر، فيما لم يستطع أكثر من 250 مواطناً الخروج من القطاع.