تونس | في الوقت الذي تغرق فيه تونس في أزمة سياسية واقتصادية وأمنية خانقة، لا يزال حوار الصم يسيطر على علاقة الحكومة بالمعارضة، لتبقى البلاد رهينة هذا الوضع القائم. ولأول مرة في تاريخ تونس ينطلق العام الدراسي بوزير تربية مستقيل من الحكومة التي تسيطر عليها حركة النهضة الإسلامية، في حين تم الكشف في نقابات التعليم عن انتدابات للمدرسين من حركة النهضة والمتعاطفين معها في غياب أي احترام لشروط الشفافية في الانتداب في الوظيفة العامة. هذا الكشف كان السبب الأساسي للانتفاضة الشعبية التي انطلقت من منطقة الحوض المنجمي والوسط الغربي للبلاد في محافظات سيدي بوزيد وقفصة والقصرين اول من أمس، بينما أعلنت نقابات التعليم أن السنة الدراسية الجديدة سجلت انقطاع ١٠٠ ألف تلميذ عن الدراسة، وهي نسبة لم تعرفها تونس طوال تاريخها. وسجلت نقابات التعليم وجود شغور بألف معلم في المرحلة الأولى للتعليم. هذا الملف الثقيل الذي فجرته العودة المدرسية تزامن مع احتقان في المؤسسات الجامعية، إذ اعلن الاتحاد العام لطلبة تونس، الذي يسيطر عليه اليساريون، الإضراب العام بداية من شهر تشرين الأول المقبل، وقد خاض هذا الاتحاد معارك طويلة مع النظام السابق انتهت بسجن قياداته وتشريدهم.
ومن جهته، أعلن الاتحاد انخراطه في الحراك الشعبي الذي يقوده النواب المنسحبون من المجلس الوطني التأسيسي من أجل إسقاط رئيس حكومة علي العريض وحل المجلس التأسيسي، الذي يعتبره جزء كبير من التونسيين المسؤول الأول عن الانهيار الذي يهدد البلاد بالإفلاس. وفي موازاة ذلك، تواصلت حملة الملاحقات التي يتعرض لها النقابيون الأمنيون في نقابتي الأمن الجمهوري واتحاد نقابات الأمن الوطني، إذ تم اعتقال وليد زروق الذي كشف عن ملفات فساد تورط فيها عدد من القادة الأمنيين استعملتها حركة النهضة لابتزازهم. كذلك كشفت الأحداث تورط وزير العدل السابق القيادي في حركة النهضة نور الدين البحيري، الوزير المستشار لدى رئيس الحكومة، في ملفات فساد في قطاع السجون، إلى جانب تورط شقيقه في قضايا أخلاقية تمت تبرئته منها بتدخل من الوزير نفسه.
واليوم يحال ثلاثة من قيادات نقابة الاتحاد العام للأمن الوطني الى قاضي التحقيق بعد أن كشفوا الملف السري للإرهاب في تونس، والذي اتهموا فيه «النهضة» بالوقوف وراءه وخاصة ملف الجمعيات الخيرية المرتبطة بلحركة الاسلامية، والتي وصلت ميزانية بعضها إلى ٣ مليارات دينار تونسي (مليون ونصف مليون يورو أوروبي). واعتبرت نقابة الاتحاد العام للأمن الوطني أن مقاومة الإرهاب تقتضي أساساً إقالة وزير الشؤون الدينية مع عدد كبير من الأئمة في إطار تورطه في الإرهاب، إلى جانب فتح ملف المدارس القرآنية التي تذّكر التونسيين بالسيناريو الأفغاني والباكستاني.
في هذا السياق من التجاذب السياسي كشفت مصالح الأمن عن اكتشاف مجموعة أخرى مسلحة في محافظة مدنين على الحدود مع ليبيا كانت تعد لعمليات إرهابية وقد تم حجز مجموعة من الأسلحة الخفيفة وهو ما يضاعف الشعور العام بالخوف لدى التونسيين الذين يشعرون بالإحباط والخوف من المجهول في غياب أي تقارب سياسي بين المعارضة بكل تشكيلاتها والحكومة. ففي هذا الغموض الذي يغلف مستقبل البلاد لا يعرف الشارع التونسي إلى اين يمضي في وضع اقتصادي يزداد انهياراً كل يوم، في وقت حذّر فيه خبراء الاقتصاد، بمن فيهم محافظ البنك المركزي الشاذلي العياري، من مخاطر استمرار الأزمة السياسية التي ستقود البلاد إلى الإفلاس إذا لم يتم تجاوزها في أقرب وقت ممكن.