الرباط ــ «الأخبار»متى ترى النسخة الثانية من حكومة عبد الإله بنكيران النور؟ لعله السؤال الأكثر ترداداً في الشارع السياسي المغربي هاذه الأيام، إذ تواجه ولادة الحكومة التي يقودها الإسلاميون مخاضات صعبة بعد أن طال أمد المفاوضات بين رئيسها بنكيران (حزب العدالة والتنمية) ورئيس حزب التجمع الوطني للأحرار (حزب إداري مقرب من الدولة) صلاح الدين مزوار، المرشح لتعويض حزب الاستقلال الذي قرر الخروج إلى صفوف المعارضة منذ نحو شهرين.

لقد فشل الطرفان إلى غاية اللحظة في التوصل إلى اتفاق نهائي حول تركيبة الحكومة المنتظرة، إذ بدا أن سقف طموحات «التجمعيين» أكبر مما كان يعتقد رئيس الحكومة الاسلامي الذي كان يراهن على مفاوضات سهلة ستفضي إلى ترميم أغلبيته الحكومية في ظرف وجيز، حيث أعلن مزوار أن حزبه لن يكون أبدا عجلة احتياطية، وأنه إن كان سيدخل الحكومة فإنه سيدخلها قوياً وبهيكلة جديدة تتناسب مع تصوراته.
ويظهر أن الحديث عن ترميم الحكومة كما كان يطمح الإسلاميون قد أصبح من الماضي، إذ تتجه الأمور نحو تعديل حكومي شامل وواسع يشمل كل الحقائب الوزارية ولا يستثني إعادة توزيع حصص كل فريق سياسي داخل الحكومة.
ورغم الحديث عن حدوث انفراج في المفاوضات بين بنكيران ومزوار عقب الجولة السادسة من المباحثات بين الرجلين، والتوقعات التي سرت عن إمكانية الإعلان عن تشكيلة الحكومة في الأيام الماضية، إلا أن الغموض عاد من جديد ليخيم على تفاصيل المشاورات بعد تسرب أخبار عن احتمال إسناد وزارة المالية لمزوار، وهو ما يلقى معارضة كبيرة داخل قواعد الإسلاميين، بالإضافة إلى مطالبة «التجمعيين» بالتخلي عن إدريس الأزمي الوزير الإسلامي المنتدب في المالية وتوحيد وزارة المالية. مطلب لم يلق ترحيباً من رئيس الحكومة نفسه بعدما قبل بنكيران على مضض الموافقة على رئيس «التجمعيين» كوزير للمالية.
من جهة أخرى، لا تزال الصورة غير واضحة حول مصير باقي مكونات الغالبية الحكومية مع تضارب الأخبار المُسرّبة من كل الأحزاب لوسائل الإعلام. فبينما أصبح شبه مؤكد أن يعوض حزب التقدم والاشتراكية أحد وزرائه في الحكومة الحالية بوجه نسائي، لا يزال حزب الحركة الشعبية يطالب بإضافة حقيبة وزارية إلى حصته في الحكومة الجديدة.
في السياق ذاته تحدثت بعض الصحف المغربية عن دخول القصر الملكي على الخط في المفاوضات بين الحزبين لتذويب الخلافات وتسريع عملية إعلان الحكومة لتتزامن مع بداية الدخول السياسي الجديد.
وبينما انهار نظام الإخوان المسلمين في مصر، وفي وقت تواجه حكومة حركة النهضة في تونس لحظات عصيبة، لا يبدو حال إسلاميي المغرب الذين يقودون أول تجربة حكومية في تاريخهم أفضل من حال حلفائهم الإيديولوجيين. فحتى لو تجاوز الإسلاميون خطر إسقاط حكومتهم أو إمكانية إجراء انتخابات مبكرة بالنجاح في تشكيل أغلبية جديدة، فإن خسائرهم كبيرة خاصة على المستوى المعنوي والأخلاقي.
في نهاية المطاف، وبحسب كثير من المراقبين، اضطروا إلى وضع يدهم في يد شخص (مزوار) كانوا يشككون سابقاً في نزاهته ويتهمونه بالفساد، وتخلوا عن خطاب «الشرعية الانتخابية» لأنهم اكتشفوا أن اكتساح البرلمان لا يعني أي شيء ولا يمنحهم أية قوة لتحصين حكمهم.
بسرعة غيّر بنكيران خطابه ولغته السياسية في الأيام الماضية إلى لهجة أكثر مهادنة بعد أن زال مفعول السحر الذي أعقب الربيع العربي الذي حمل الإسلاميين إلى السلطة، وبعد أن وجه الملك محمد السادس، في خطابه قبل أقل من شهر، انتقادات لاذعة لسياسات الحكومة في قطاع التعليم.
هكذا يواجه إسلاميو المغرب اختباراً صعباً للخروج من المأزق الحالي. هناك شيء وحيد مؤكد اليوم هو أن مغامرة الإسلاميين في الحكومة استنفدت منهم الكثير وربما ستُفقِدهم الكثير من صدقيتهم في ما تبقى من عمرهم في قيادة الحكومة.