ريف حمص | مجزرة ذات طابع طائفي. هكذا تبدو، ظاهرياً، مجزرة قرية مكسر الحصان في ريف حمص الشرقي، وبحسب ما راج في وسائل الإعلام. إلا أن المجزرة التي راح ضحيتها 20 مدنياً، بينهم امرأتان بدويتان، وقعت لمجرد اجتياح القرى الشرقية وخرق الأمن الذي يكفله الجيش السوري للمناطق التي يسيطر عليها. فتح ثغرة عسكرية ضمن هذه القرى التي تفصل قرى حمص عن بادية تدمر، أسوة بما جرى في قرى اللاذقية، هكذا كان هدف مسلحي المعارضة خلال الهجوم المذكور. الأسلوب ذاته في القتل ذبحاً، لإرباك العسكريين وإحراج الجيش في المناطق الموالية. لا يهمّ عدد المدنيين الذين يذهبون ضحية الهجوم، بل فيما يبدو أصبحت المجازر بحد ذاتها هدفاً لمقاتلي «النصرة»، لإثبات قوّة لن تسكت عنها قوات الجيش السوري. فقرية مكسر الحصان التي عاشت لسنوات طويلة في خليط طائفي متجانس، ويبلغ عدد سكانها 1500 نسمة، أصبحت مهددة خلال الأحداث الأمنية التي تشهدها الأرض السورية، ما جعل سكانها ينزحون عنها على مراحل، خشية مفاجآت تحمل الموت الجماعي إلى قريتهم، كما جرى أخيراً. عشرات الأشخاص هم الباقون في القرية دون أن ينزحوا عن بيوتهم، إلا أن الموت القادم من الشرق كان له القول الفصل. شهيدان من الجيش و6 مصابين، هي حصيلة الاشتباكات التي حاولت النقطة العسكرية المتواجدة في القرية الاستماتة خلالها.
هجوم من ثلاثة محاور

الهجوم بدأ من قرية الحوم التي تبعد عن مكسر الحصان مسافة 2 كلم شرقاً. يسيطر المسلحون على القرية، وعلى كامل المناطق التي تليها من جميع الجهات، إذ تعتبر مكسر الحصان آخر قرية تحت سيطرة الجيش السوري قبل الوصول إلى صحراء البادية المسيطر عليها من قبل المسلحين.
الهجوم بدأ عبر ثلاثة محاور، ليصل إلى حدود قرية المسعودية مع ساعات الفجر الأولى. المسعودية تحوي 5000 نسمة، بالإضافة إلى من نزح عن قرية مكسر الحصان المجاورة. استطاع الجيش تفادي حصول مجازر مشابهة في المسعودية بسبب استعادته السريعة زمام المبادرة، والسيطرة العسكرية على المنطقة ككل، بالإضافة إلى تحرير قرية مكسر الحصان في اليوم ذاته. استعادة القرية المستهدفة وصد الهجمة عن القرى التي تعرضت للهجوم كجب الجرّاح والمسعودية، أدت إلى الكشف عن أعداد الضحايا، بالإضافة إلى أربعة مخطوفين، واكتشاف جثة عامل في البلدية، مقطّعة الأعضاء، ينتمي إلى البدو الذين يعيشون في المنطقة. لم يسمح المقاتلون السوريون بأن يتحول ما جرى في ريف حمص إلى مأساة مشابهة للتي جرت في ريف اللاذقية، واعتُبر إنجازاً عسكرياً استعادة القرية دون مضي 24 ساعة على احتلالها. ورغم الألم الذي نتج من المجزرة، إلا أن دفن الشهداء جرى سريعاً بعد مقتل مئات المسلحين، الذين سيطروا على التلال والوديان المحيطة بالقرية، فتمت استعادتها لاحقاً. النازحون إلى جب الجرّاح والمسعودية يروون الآلام عمّا جرى بذويهم. عمق الألم يكمن في عدم وجود شهود أحياء عن المجزرة، إذ قدّر للضحايا أن يبادوا بصمت دون من يروي عنهم صرخات النهاية. أمرٌ اعتاده السوريون مؤخراً جرّاء تكرار مسلسل المجازر والموت اليومي. مكسر الحصان تبدو اليوم كقرية أشباح، خالية من أهلها. تتواجد فيها قوّات تابعة للجيش السوري، دون أي تواجد للمدنيين. يتمركز الجيش السوري في قرية جب الجرّاح التي يبلغ عدد سكانها 5200 نسمة احتضنوا النازحين، وأمّنوا لهم المأوى. لا نيّة قريبة للجيش السوري بالتحرك نحو الهجوم، إنما يكتفي بالاشتباكات على حدود قرية الحوم، وإجبار المسلحين على التراجع نحو الحوم وأبو حدايد وبقية بادية تدمر التي تصل إلى الحدود الشرقية الصحراوية. تترقب القرى الموالية القريبة ما تتمخض عنه الاشتباكات حولها من تطورات ميدانية بالكثير من القلق، بانتظار تأمين المنطقة من قبل الجيش بشكل كامل. يسهر أبناء هذه القرى على حمايتها في المخرّم وتل جديد والعثمانية والسنكري، في حالة اطمئنان مبدئي لاستنفار الجيش في منطقتهم. فيما يتواصل سقوط قذائف الهاون على قرية مكسر الحصان وما حولها.

الطريق القلق إلى حمص

«انتبه الطريق مراقب بالرادار»، هكذا تقول اللافتات على الطريق الدولي إلى حمص. إنما من يهتم للرادار في وجود الطريق المحفوف بالحكايات السابقة عن مفاجآت المسافرين؟ ومن يعبأ بالمخالفات المرورية في بلد يعجّ بكل أنواع المخالفات الإنسانية والممارسات الوحشية؟ يمكن على الطريق التسلية بعدّ البيوت المهدّمة على الطريق، كما يعدّ المرهَقون الأغنام قبل النوم. ينام المسافرون دون أن ينتهي عدّ كل هذه المساحات من الخراب إلى مدينة الموت الشهيرة، ولا يتسنّى لهم استئناف العَدّ إلا في كوابيسهم. يمكنك تخيّل المجازر التي تجري في إحدى مناطق الريف قبل وصولك إليها، إلا أن الخيال لن يسعفك بعد معاينة المشاهد على أرض الواقع.
قرب مدينة حسياء الصناعية قُبيل مدخل حمص، تستطيع رؤية آثار انفجار وقع عند الحاجز العسكري، عندما فجّر أحد الانتحاريين نفسه، ما أدّى إلى مقتله وحده. هكذا الطريق إلى حمص، محفوفٌ بالهواجس، خوفاً من الصدف غير السعيدة التي قد يقود إليها حظ المسافرين العاثر. لن تسعف الذاكرة الاحتفاظ بصور آثار المجزرة الأخيرة في طريق العودة من حمص إلى دمشق، إذ أصبحت ذاكرة السوريين تجدّد نفسها نحو الإصرار على الحياة وعدم الاحتفاظ بمشاهد القتل الأخيرة.