في مقولة عامة ومعروفة في الأوساط القانونية أنّ المجتمع والقانون وجهان لعملة واحدة، فأينما وجد مجتمع وجد قانون ينظمه.
وكذلك على الصعيد الدولي فإنّ القانون الدولي هو ما ينظمه، فالقانون الدولي هو «مجموعة القوانين التي تنظم العلاقات القانونية بين الدول في حالات السلم والحرب والحياد».
وفي خضم ما يجري لا يسع كل الدول دون استثناء أن تخالف القانون بل عليها أن تخضع له، وإن أرادت مخالفته فعليها أن تلعب في نصوصه وتقتنص ثغره وتستغله للوصول إلى مآربها في تحقيق مصالحها على الصعيد الدولي، آخذة من القانون الدولي بكل فروعه وتشعباته ستاراً واقياً لها يضفي على أفعالها المشروعية المطلوبة أمام هذا المجتمع الدولي الذي لا يسعه حينها إلا أن يأخذ موقع المتفرج فقط. فالمبررات القانونية الواضحة التي تسمح لدولة كالولايات المتحدة أو مجموعة دول متمثلة بحلف «الناتو» أن تهاجم سوريا، هي مبررات محددة، وهي: المبرر الأول: المبررات المذكورة في ميثاق الأمم المتحدة، لا يمكن اللجوء إلى استعمال القوة حسب ميثاق الأمم المتحدة إلا في حالتين استثنائيتين وهما حالة الدفاع الشرعي، وتلك التي يجيزها مجلس الأمن في ظل الفصل السابع من الميثاق في ما يتعلق بالمحافظة على السلم والأمن الدوليين. لذا: بالنسبة للملف السوري فإن استخدام المادة 51 التي تعطي الحق الطبيعي في الدفاع عن النفس إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة في هذه الحالة سيكون مشكوك فيه، لأنه من الصعب القول بأن هجوم كيميائي على المدنيين في شرق دمشق يشكل اعتداء على دولة أخرى. وفي حالة تفويض مجلس الأمن لدولة ما أو مجموعة من الدول استخدام القوة العسكرية ضد دولة أخرى قامت بخرق القوانين الدولية كما أوضحت ذلك المادة 42 من الميثاق.
وإذا افترضنا أن مجلس الأمن أجاز التدخل العسكري في حالة سوريا، فهذا القرار لن يرى النور، لأن روسيا والصين سوف يستخدمان الفيتو ضد أي تحرك يعطي الضوء الأخضر لمهاجمة حليفهما سوريا.
وربما نجد من يعترض على استخدام الفيتو الروسي ــ الصيني، في المقابل لم نجد من اعترض على 32 فيتو أميركي منذ عام 1982 في محاولات لتجريم الكيان الصهيوني.
المبرر الثاني: مبدأ «التدخل الإنساني» و«الحق في الحماية» انبثق هذا المفهوم كنتيجة للعجز السياسي الدولي حيال جرائم الإبادة الجماعية في فترة التسعينيات في رواندا ودول يوغوسلافيا السابقة ــ ينص على أن كل دولة ذات سيادة مسؤولة عن ضمان حماية شعبها. ولكن إذا كانت حكومة ما غير قادرة أو غير راغبة في حماية شعبها تنتقل المسؤولية إلى المجتمع الدولي. ويجب مساعدة الدولة المعنية على تفهم هذه المسؤولية والالتزام بها. وإذا كانت الوسائل السلمية غير كافية، يجري اللجوء إلى الخيار الأخير؛ وهو التدخل العسكري، فهو استخدام للقوة خارج إطار الأمم المتحدة ومن دون حاجة لترخيص مجلس الأمن، تلجأ دولة عبر هذا المبدأ، أو مجموعة من البلدان مثل حلف شمالي الأطلسي إلى السلاح. ففي الوثيقة الختامية لاجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر 2005، تم تحديد نطاق تطبيق مبدأ «المسؤولية عن الحماية» بشكل صريح وواضح على أربع حالات: حماية السكان من الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والتطهير العرقي، والجرائم ضد الإنسانية. ومن الصعب استغلال فكرة «التدخل الإنساني» لتبرير التدخل العسكري بسبب الهجمات الكيميائية في دمشق. يقول أحد كبار المحللين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، شاشانك جوشي، «إذا تدخلت الولايات المتحدة وحلفاؤها لمهاجمة سوريا معتمدة على هذا المبرر، فإن ذلك قد يثير جدالاً بين الشعوب وتساؤلات... لماذا لم تتحرك وتفعل ذلك الآن بعد وفاة 100 ألف شخص؟». بالإضافة إلى أن الرأي العام الداخلي في البلدان التي تلجأ إلى هذا المبدأ أصبح غير مقتنعاً بهذا النوع من التدخل العسكري الخارجي في نزاع داخلي في أي بلد، خاصة بعد تجارب العراق وأفغانستان وليبيا، فالتدخل في هذه الدول نجح في إسقاط الأنظمة السابقة، ولكن لم ينجح في تحقيق السلام والاستقرار في تلك البلاد، بل ربما كان عدد الضحايا والدمار بعد سقوط الأنظمة الاستبدادية قد زاد عما كان عليه سابقاً.