القاهرة - الطوارئ في مصر ليست مجرد قانون يُفرض في الحالات الاستثنائية والأزمات؛ فمنذ فُرض عام 1967 والمصريون لا يعرفون الحياة إلا في ظله. أُنهيت حالة الطوارئ لمدة 18 شهراً عام 1980، ثم أُعيد تفعيلها عقب اغتيال الرئيس أنور السادات، وظلّت ممتدة إلى أن قامت ثورة «25 يناير» عام 2011، التي كان على رأس مطالبها إنهاء هذا القانون، وهو ما جرى بالفعل في الذكرى الأولى للثورة.
وبما أنّ «الحرب على الإرهاب» هي شعار المرحلة الحالية، أعلن الرئيس المؤقت عدلي منصور حالة الطوارئ لمدة شهر وفرض حظر التجوال في القاهرة و 13محافظة، وذلك «لمواجهة أعمال العنف، وبعد تعرض الأمن والنظام فى الجمهورية للخطر بسبب أعمال التخريب المُتعمدة، والاعتداء على المنشآت العامة والخاصة، وإزهاق أرواح المواطنين من قبل عناصر التنظيمات والجماعات المتطرفة، والتي حصلت عقب فض اعتصامي أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي»، بحسب بيان الرئاسة. وهكذا أصبح من حق الشرطة بالتعاون مع القوات المسلحة القبض على أي مواطن من دون إذن نيابة بمجرد الاشتباه به، ويتيح قانون الطوارئ أيضاً تفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية. فهل نجحت هذه الإجراءات الاستثنائية في الحدّ من أعمال العنف وحماية المواطن؟
يؤكد الخبير الأمني والعسكري، اللواء محمود زاهر، لـ«الأخبار» أن «حالة الطوارئ ما هي إلا تسريع واختصار لإجراءات الضبط وتحويلها للنيابة العامة في أقل وقت ممكن كي لا يفلت المتهم من يد قوات الأمن، وبذلك يختصر 48 ساعة من الممكن أن يهرب فيها المجرم».
ويضيف أن قانون الطوارئ «لا يمثل أي تهديد على أمن المواطنين، وغرضه ضبط الأمن في الشارع والسيطرة على الخارجين عن القانون»، موضحاً أنّ من الممكن أن يشعر المواطن بعدم الأمان في ظل قوانين غير استثنائية من خلال التطبيق غير المهني للقانون والالتفاف عليه من قبل قوات الأمن.
رغم ذلك، فقد جاء تقريرا منظمتي «العفو» الدولية و«هيومان رايتس ووتش»، ليحمّلا الأجهزة الأمنية المصرية المسؤولية عن التقاعس عن حماية الكنائس والمواطنين الأقباط، وذلك بعد ازدياد حوادث العنف الطائفي عقب فض اعتصامي «رابعة العدوية» و«النهضة». ووصفت «العفو» بأنّه تقصير صادم من قوات الأمن في أداء واجبها، فيما طالبت «هيومان رايتس ووتش» السلطات المصرية باتخاذ الخطوات اللازمة لحماية الكنائس والمنشآت الدينية من هجمات «الحشود الغوغائية»؛ فالمعتدون هاجموا ما لا يقل عن 42 كنيسة وأحرقوا أو دمروا 37 كنيسة، فضلاً عن عشرات المنشآت الدينية المسيحية الأخرى في محافظات المنيا وأسيوط والفيوم والجيزة والسويس وسوهاج وبني سويف وشمال سيناء.
في المقابل، كشفت تحقيقات النيابة العامة عن تورط الشرطة في قتل 37 متهماً، من بينهم أعضاء في جماعة «الإخوان المسلمين»، لقوا حتفهم في سيارة ترحيلات قسم شرطة مصر الجديدة داخل أسوار سجن أبو زعبل أثناء تنفيذ قرار النيابة بحبسهم احتياطياً. وبحسب تقرير مفتش الصحة، الذي عاين الجثث، والتقرير المبدئي للطب الشرعي، لقى القتلى مصرعهم خنقاً بالغاز. غير أن التحقيقات نفت وقوع أي محاولات للاعتداء على سيارة الترحيلات التي كانت تنقل المتهمين، سواء بالأسلحة النارية أو غيرها من أنصار الرئيس المعزول.
وفي حادثة أخرى تكشف انعدام الأمن ووقوع الانتهاكات في ظل الطوارئ، أطلقت قوات إحدى نقاط التفتيش العسكرية، في محافظة البحيرة النار أثناء حظر التجوال على سيارة صحفيين، كانا عائدين من لقاء مع المحافظ، ما أدى إلى قتل أحدهما ويدعى تامر عبد الرؤوف، وهو المدير الإقليمي لمكتب جريدة «الاهرام»، فيما أُصيب الآخر، وهو حامد البربري، الصحفي في جريدة «الجمهورية» بطلق ناري. وقال بيان القوات المسلحة، إن السيارة حاولت الهرب من نقطة التفتيش، لكن البربري نفى ذلك، وهو ما وثقته منظمة «مراسلون بلا حدود»، مؤكدةً أن الصحفيين امتثلا لأوامر الجيش ولم يهربا.
حظر التجوال لم يكن فقط سبباً في مقتل أحد الصحفيين، ولكن آثاره امتدت لتحول القاهرة، المدينة التي لا تنام، إلى مدينة أشباح بمجرد أن تدق الساعة السابعة مساءً، وذلك قبل تعديل مواعيد الحظر إلى الحادية عشرة؛ فقبل ميعاد الحظر، كان المواطنون يهرعون إلى منازلهم كي لا يضطروا إلى قضاء ليلتهم مشردين يبحثون عن طريق لا تعترضه نقاط التفتيش ليصلوا إلى بيوتهم. عوامل جعلت من ساعات ما قبل الحظر جحيماً أزلياً لكل مواطن؛ فمترو الأنفاق يمتلئ الى حدّ يكاد فيه ينفجر من شدّة الازدحام، ويسير بأبواب مفتوحة، ما يشكل خطراً على حياة الركاب، فيما تكون سيارات الأجرة مكتظة، لدرجة أن بعض المواطنين يعتلون سقف السيارة ويغامرون بحياتهم في سبيل العودة إلى المنزل والخوف من الاعتقال بتهمة خرق حظر التجوال.
وعن استمرار حالة الطوارئ، يقول رئيس الحكومة حازم الببلاوي إن حكومته لا ترغب في فرض إجراءات استثنائية، مشيراً إلى أن حالة الطوارئ هي «إجراء مؤقت ولن يستمر إلى ما لانهاية»، ولمّح إلى أنّ من الممكن مد حالة الطوارئ إلى 3 أشهر، حسب الحالة الأمنية.
بدوره، علق القيادي في حزب «الدستور»، خالد داوود، المتحدث السابق لـ«جبهة الإنقاذ الوطني»، في حديث لـ«الأخبار» على تصريحات الببلاوي بالقول إن الشعب المصري لن يقبل باستمرار الطوارئ، ولا بد أن تتفهم الحكومة أنه يجب إنهاؤها؛ لأن القانون الطبيعي كاف لحفظ الأمن، والشعب لا يمكنه تحمل فرض حظر التجوال أكثر من ذلك.
وما بين حكومة وأجهزة أمنية تؤكد أن الطوارئ تحفظ الأمن، ووقائع تثبت عكس ذلك، يقع المواطن بين شقي الرحى، فهو الذي يعاني في جميع الأحوال سواء من غياب الأمن، أو من وجود ممارسات خاطئة للطوارئ من قبل قوات الأمن. يبقى أن الأيام القادمة ستثبت إن كان قانون الطوارئ هو عودة لعصر مبارك، أو أنه مجرد إجراء استثنائي وسينتهي.