سيناء | في موازاة العملية العسكرية التي يشنها الجيش المصري في سيناء وتناقض الروايات حول طبيعة الأهداف وأعداد القتلى، أكد شهود عيان لـ«الأخبار» أن الجيش يقوم أيضاً بعملية هدم للمنازل في منطقة رفح المصرية من دون أن يدفع تعويضات لأهلها ويهددهم بالتهجير القسري، من أجل إقامة منطقة عازلة في موازاة الحدود مع قطاع غزة. ومرّ قائد عسكري رفيع المستوى من الجيش الثاني الميداني على عدة أحياء متاخمة للشريط الحدودي مساء السبت الماضي ليخبر الأهالي بضرورة إخلاء منازلهم في غضون أسبوع تمهيداً لهدمها. وأكد خالد سمير، أحد سكان رفح، لـ«الأخبار»، أن القائد العسكري أتى إلى حي «القنابزة» في زي مدني بعدما مرّ على حيّي البراهمة والشواعر ليمهلهم أسبوعاً قبل أن يبدأ الجيش بهدم المنازل الواقعة في شعاع 500 متر من الخط الحدودي الفاصل بين شطري رفح، المصري والفلسطيني. وحول التعويض العادل الذي مُنح للسكان، أجاب باستخفاف «كلكم لديه قصور من أرباح الأنفاق»، رافضاً لغة التعميم والعقاب الجماعي، ومؤكداً أنه لم يتزوج بعد لأن راتبه الحكومي لا يكفي حاجياته الأساسية.
تهديد بالتهجير القسري لعشرات الأسر دون تعويض دفع الأهالي إلى الاحتشاد في تظاهرة صغيرة لم تستمر طويلاً ظهر الأحد. وقد أجّج نار الاحتقان في المدينة شروع قوات الجيش في هدم بعض منازل عائلة الشواعر، ما دفع قاطنيها إلى التهديد بتفجير أنابيب «البوتاغاز» المنزلية في أنفسهم وفي القوات إذا اقتربت. غير أن قائداً عسكرياً ميدانياً برتبة عميد تدخل واحتوى الموقف، مطمئناً الأهالي إلى عدم التهجير ووقف الهدم.
لكن طمأنة العميد لم يسر مفعولها سوى ليوم واحد، حيث استأنفت قوات الجيش هدم ثلاثة منازل ظهر الاثنين، وسط تأكيد الأهالي أن المنازل المهدومة لم يكن فيها أنفاق، وليس لأهلها الذين صاروا مشردين بديل. وبذلك يكون إجمالي المنازل المهدومة في رفح في غضون ثلاثة أسابيع تسعة منازل، تم تفجير بعضها وهدم الباقي بالجرافات.
نشطاء حقوقيون من الشيخ زويد، اشترطوا عدم ذكر أسمائهم، قالوا لـ«الأخبار» إنهم حين أرادوا الذهاب لتوثيق الهدم الذي طال 6 منازل بادئ الأمر والتضامن مع أصحابها، توالت عليهم التحذيرات من سكان محليين بعدم الاقتراب لوجود تصفية حسابات بين أصحاب تلك المنازل وما فيها من أنفاق وبين بعض الضباط في الأجهزة الاستخبارية. وقد أكد سكان المنطقة الحدودية أن حافلات البضائع المهربة عبر الأنفاق تمر أمام عيونهم يومياً كالمعتاد، وأن أغلب الأنفاق لا تزال تعمل بكفاءة، وأن الأنفاق المهدومة التي رافق تفجيرها تصوير بغرض الدعاية الإعلامية للقوات المسلحة ما هي إلا عدد ضئيل من الأنفاق التي تغذي قطاع غزة بمؤونته.
رغم تأكيد الرواية الرسمية لهدم المنازل الملاصقة للأنفاق فقط، يؤكد سكان رفح أن عدد الأنفاق المدمرة لا يتخطى نصف عدد المنازل، وأن الهدم يتم دون إمهال أصحاب المنازل لاستخراج أثاثهم أو أجهزتهم الكهربائية. وقد تراجعت جرافة الجيش عن هدم منزلين في حي القنابزة بعدما حطمت السور الخارجي لأحدهما، واستبسل سكانهما في التمسك بهما وعدم الخروج منهما.
في الناحية الشرقية من الحدود، لم يشتك سكان قطاع غزة سوى من أزمة الوقود التي خلقت طوابير طويلة في محطات البنزين، ولم يشتكوا من شح البضائع الأساسية أو الارتفاع الكبير في الأسعار. وهو ما يشرحه مصدر أمني لـ«الأخبار» بالقول إن تشديد الرقابة على الأنفاق من الناحية المصرية يطال مرور الأفراد وتهريب الوقود والسلع المدعمة والسلاح، أما البضائع الأساسية ومواد البناء والسلع المعيشية الأخرى، فيُتغاضى عنها كي لا تتفاقم الأزمة الإنسانية في غزّة فتنفجر في وجه السلطات المصرية.
في موازاة تهديم المنازل، فإن الهجمات التي يشنها الجيش المصري ضدّ ما يقول إنها مواقع تابعة لمسلحين، تطال مساكن الأهالي، حيث
قصفت طائرات «الأباتشي» التابعة للجيش، أول من أمس، مواقع في قريتي الثومة والمقاطعة جنوب مدينتي الشيخ زويد ورفح، وقد أكدت مصادر محلية لـ«الأخبار» أن القصف قد طال أربعة منازل شاغرة من سكانها في قرية الثومة، أحدها عبارة عن عشة صغيرة بناها أحد المتشددين القادمين من وادي النيل بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي، وكان قد تركها منذ هجمات عيد الفطر الماضي. كذلك تم قصف منزلين في قرية المقاطعة، وطال القصف جانباً من مسجد «أبو منير» المجاور. وفي حين أكد سكان القريتين أن القصف لم يؤدّ إلى أي قتلى، وأن أحد مصابين أربعة فقط قد تم اعتقاله من مستشفى الشيخ زويد قبل تلقيه العلاج، أعلن التلفزيون الرسمي مقتل أكثر من عشرة وإصابة عدد أكبر من الجرحى، فيما نفى جيران المنازل المقصوفة لـ«الأخبار» الرواية الأمنية الرسمية التي ادّعت تفجير مخازن سلاح.
وقد أصدرت «السلفية الجهادية في سيناء» بياناً، صباح أمس، يصف الجيش المصري بالكذب والخيانة، ذاكراً خسائر القصف من منازل مملوكة لمدنيين والضرر الذي لحق بالمسجد. وقد نبّه البيان إلى استهداف منزل أسرة «يسري محارب السواركة» الذي تم اغتياله بطائرة إسرائيلية من دون طيار آخر أيام عيد الفطر الماضي، قبيل مشاركته في استهداف الأراضي المحتلة بصواريخ. وقد أرفق البيان ببضع عشرة صورة فوتوغرافية لآثار القصف على المسجد والمنازل، وتبين بقايا المقذوفات الصاروخية وعليها البيانات التفصيلية للذخيرة.
وكان لافتاً أمس تقرير خاص لموقع «ديبكا» المقرب من الاستخبارات الإسرائيلية نشره تعليقاً على هذه العملية، أشار فيه إلى أنها المرة الأولى منذ 8 سنوات التي يفي فيها الجيش المصري بالالتزامات التي أبرمها حسني مبارك عام 2005 إبّان الانسحاب الأحادي من قطاع غزة. وفق زعم التقرير، اعتمد الجيش المصري على استراتيجيتين متزامنتين منذ إطاحة محمد مرسي للتضييق على من سمّاهم «الإرهابيين» الذين يمثّلون خطراً على كل من مصر وإسرائيل، وهما إقامة منطقة عازلة بطول 14 كيلومتراً هي حدود مصر مع غزة، وإقامة عشرات نقاط التفتيش التي تحدّ من وصول الإمداد البشري واللوجيستي.