لم تعد سوريا ملاذ الهاربين من حروب فلسطين ولبنان والعراق، إنما العكس، أصبح شعبها الجميل هو الهارب، بسبب الحرب الداخلية الدائرة منذ أكثر من سنتين على ارضها، ثم العدوان الخارجي الذي ينتظر إشعاراً أميركياً وإسرائيلياً آخر.
فيا سوريا، اقتربت ساعة الصفر.
وأحزن عليكِ، لأنه على الأرجح، لن يهتم تلفزيون عربي واحد بإنتاج «اوبريت» عربية مشتركة مثل أغنية الحلم العربي ــ أي حلم عربي أصلاً؟! ــ لتغنى تضامنا معك (وربما في عدم انتاجها بعض العزاء لتفاهتها عادة) ولا شعبكِ واحد موحد كي يأتيكِ ختيارٌ من أحد الأرياف ليصرخ كما صرخ ختيارٌ قبله من جنوب لبنان على شاشات التلفاز: «عيتا... سلميلي على إختك مروحين!». سيقف القائمون على شاشتك الوطنية حائرين، لا أغاني وطنية جاهزة في الوقت التي تُقرع فيه طبول الحرب، لا شيء يشبه عادة اللبنانيين في استحضار «الكولكشن» من أغان ترفع المعنويات، فسوريا بعكس لبنان غير معتادة على العدوان الخارجي.
للأسف أيضاً، ستتغير العادة العربية، لن تجدي إلا قلّة تدين العدوان عليكِ. اليوم، المواقف مُختلفة، هناك من يدين، وهناك من يؤيد، وهناك من ينأى بنفسه حتى وإن كانت النيران تطاله. اليوم، أميركا أمٌ حنون، وإسرائيل ليست عدوة بل بلد مجاور يخاف العرب على أمنه. لن توجد حدوداً مفتوحة لاستقبال الهاربين، وإن وُجدت، فلن يجد الوافدون لافتات تُرحب بهم في أي بلدٍ شقيق.
مصدر مُطلع يُطل على شاشة تلفاز لبنانية ويقول «أكثر من مليونين ومئتي ألف نازح سوري موجودون على الأراضي اللبنانية»، واصفاً الأمر بالكارثة! فعلاً، يا للكارثة، ستجد فئة لا يُستهان بها من الشعب اللبناني «شمّاعة» جديدة ليعلقوا مذماتهم عليها. لم ولن تفهم هذه الشريحة يوماً أنه «لا تزرُ وازرة وزر أُخرى»، وستحمل مليونين ومئتي ألف نسمة أعباء لبنان وسوريا معاً! لن يبقى الفلسطينيون وحدهم لاجئين في «جنّة لبنان» يحاولون انتزاع حقٍ في قطعة أرض أو وظيفة أو حقوق مدنية. ولبنان، «قطعة السما» بشعبه الملائكي الذي لا يُخطئ، سيبقى ملاذنا كمجرمين ومغتصبين وسارقين في نظر هذه الفئة من الناس.
سوريا، اقتربت ساعة الصفر.
لا احتلالٌ ولا إسقاطُ نظام.
إنما ضربة سريعة محدودة ومُحددة الأهداف. هكذا قالوا.
كان يمكن للمعادلة أن لا تكون كذلك، كان ممكناً لسوريا أن تصنع هي المعادلة. كان يجب ألا تحتفظ قيادتها بحق الرد منذ الغارة الإسرائيلية على جبل قاسيون في أيّار الفائت. كان عليها أن ترد. لو ردّت، لوجدتنا سوريين وفلسطينيين ولبنانيين إلى جانبها، كنا سننتفض شعوبا لأجلها. كان ممكناً أن تصير مقاومة، توحّد شعبها معارضة وموالاة أمام حربٍ تستهدف كل سوريا، ترص الصفوف في مواجهة العدوان الغاشم قبل أن يتسنى لأحد أن يتآمر عليها، كانت سوريا بذلك ستصفع وجوه كل القادة العرب!
أما اليوم، فنحن ببساطة ننتظر الكارثة وهي لاتزال تحتمل المماطلة والتأجيل كالأحياء من قِلّة الموت. نموت عندما تسمح لنا أميركا أن نموت، ونعيش إذا سمحت لنا إسرائيل أن نعيش. وإن عشنا، نبقى لاجئين في بلاد الآخرين ننتظر حلم العودة، نتحمل ثقل النكبات والنكسات، يجلس زعماؤنا على طاولة المفاوضات، ودماؤنا ترخص شيئاً فشيئاً مع رخص سعر السلاح الذي، للأسف، كميته غير محدودة!