تونس - تنتهي اليوم السبت المهلة التي منحتها جبهة الإنقاذ الوطني والمنظمات الراعية للحوار لحركة النهضة وحليفها «حزب المؤتمر من أجل الجمهورية» لتقديم استقالة الحكومة، وذلك غداة تظاهرة حاشدة خرجت امس احتجاجاً على سياسة الحكومة تجاه الأزمة السورية واحتمال توجيه ضربة غربية لسوريا.
وكانت الأطراف الراعية للحوار الوطني قد التقت أمس ممثلي حزبي «النهضة» و«المؤتمر»، وقد أصر الوفد المفاوض على التمسك بعدم استقالة الحكومة الآن واقترح في المقابل استئناف المجلس الوطني التأسيسي يوم الاثنين لإنهاء الدستور وتشكيل هيئة مستقلة للانتخابات والقانون الانتخابي واستقالة الحكومة يوم ٢٩ أيلول وتشكيل حكومة تكون مسؤوليتها تنظيم الانتخابات وتتعهد عدم الترشح للانتخابات المقبلة.
هذه المقترحات ستعرضها المنظمات الراعية للحوار على جبهة الإنقاذ، لكن كل المؤشرات تدل على أن الجبهة لن تقبل إلا باستقالة الحكومة وإعلانها حكومة تصريف أعمال. كل ذلك في انتظار الاتفاق على حكومة كفاءات وطنية مستقلة وإلزام المجلس الوطني بإتمام الدستور خلال أيام مع الاستعانة بهيئة خبراء وتشكيل هيئة مستقلة للانتخابات. هذا جوهر مبادرة الأطراف الراعية للحوار، التي تحظى بتوافق كبير من الأحزاب والمنظمات والجمعيات.
من جهة أخرى، أعلن النواب المنسحبون من المجلس التأسيسي دخولهم في شكل جديد من الاحتجاجات بداية من يوم الاثنين، وسيُبنى اليوم جسر بشري يمتد من ساحة المجلس في ضاحية باردو إلى ساحة الحكومة في القصبة.
أما النواب المتمسكون بالمجلس، فقدّموا عريضة لإقالة رئيسه مصطفى بن جعفر، إذا لم يستجب لإعلان عودة أشغال المجلس يوم الثلاثاء في ٣ أيلول.
في هذا الوقت يتابع الشارع التونسي تطورات المشهد السياسي بالتوازي مع تطورات الوضع السوري، فقد نظمت تنسيقية مساندة سوريا مسيرة شعبية ظهر أمس رفعت فيها أعلام سوريا وأحرق المتظاهرون علم الولايات المتحدة الأميركية. كذلك رفعوا شعارات تندد بالنظام التونسي الذي ساند الحرب على سوريا، وذلك بقطعه العلاقات الدبلوماسية مع سوريا واحتضان مؤتمر أصدقاء سوريا وتسهيل عمل شبكات الإرهاب التي جندت مئات أو آلاف الشبان التونسيين للقتال في سوريا.
وتتهم المعارضة نظام الترويكا بالوقوف وراء الحرب على سوريا والتورط في جدول عمل معادٍ لسوريا والتورط في الإرهاب في تونس، وذلك بعد تصنيف تنظيم «أنصار الشريعة» تنظيماً إرهابياً.
ورأى عدد من الناشطين التونسيين والمحللين أنّ حركة النهضة الحاكمة أرادت أن تقدم تنظيم أنصار الشريعة كبشَ فداء حتى تشغل الشارع التونسي بالحرب على الإرهاب لتخفيف الضغط الشعبي في الشارع وحالة الاحتقان ضد الحكومة. من جهتها، أدانت جمعيات حقوقية الطريقة التي صُنِّف بها «أنصار الشريعة» تنظيماً إرهابياً، ورأت هذه الجمعيات أن هذا التصنيف هو قرار سياسي المقصود منه إقناع الغرب بأن الحكومة جادة في محاربة الإرهاب، فيما شكك عدد من الحقوقيين في الرواية الرسمية.
أما نقابة الأمن الجمهوري، فقد أعلنت ان وزير الداخلية لطفي بن جدو، قال نصف الحقيقة فقط. ولمّحت النقابة الى تورط قيادات من «النهضة»، من بينهم أعضاء في المجلس التأسيسي في علاقات مريبة مع «أنصار الشريعة». وهذا الاعتقاد يحمله عدد كبير من التونسيين يرون ان «أنصار الشريعة» ليست الا جناحاً لحركة النهضة جرت التضحية به لغايات سياسية وللتسويق الإعلامي.
وفي الوقت الذي تشتد فيه الأزمة الاقتصادية بشكل غير مسبوق، وفي الوقت الذي تتزايد فيه المخاوف من العمليات الإرهابية التي يمكن أن يلجأ إليها «أنصار الشريعة»، يتطلع التونسيون الى انفراج سياسي قد يأتي وقد لا يأتي بعد التقارب بين أكبر حزبين، حركة النهضة وحركة نداء تونس.
في هذا الوقت، حذّر خبراء اقتصاديون من أن استمرار الأزمة السياسية يهدد الاقتصاد التونسي بكارثة حقيقية بعد تراجع الدينار وارتفاع المديونية وانخفاض مخزون البلاد من العملة الأجنبية. وهي المؤشرات الأساسية للأزمة الاقتصادية.
ومع تمسّك «النهضة» و«المؤتمر» بالحكومة وعودة المجلس التأسيسي للعمل حتى لو أدى ذلك الى إقالة بن جعفر، يبقى الوضع مفتوحاً على كل الاحتمالات. فالمعارضة متمسكة بالشارع والاحتجاج السلمي الى حين سقوط الحكومة والنقابات تهدد بالتصعيد بما سيشل الاقتصاد والمرافق الأساسية.
كل هذه المؤشرات تجعل من السيناريو المصري ممكن التحقق في تونس، كما أشار الى ذلك زعيم حركة نداء تونس الباجي قائد السبسي.
لا شيء يؤكد قدرة النخبة السياسية في تونس على نزع فتيل الاحتقان، ما دام الشارع أصبح متجاوزاً للطبقة السياسية برفع سقف مطالبه وتمسكه بـ«رحيل» الحكومة كشرط اول لكل ما يمكن ان يترتب عن ذلك من توافقات، وهو المطلب الذي يتبناه المنسحبون من المجلس التأسيسي والمعتصمون منذ أكثر من شهر تحت سماء قائظة من أجل سقوط حكومة النهضة وحليفيها.