فصل الكلام صدر أمس، على لسان حاكم العالم. صحيح أن باراك أوباما قال إنه «لم يتخذ قراراً» بعد، لكنه قدم كل الأسباب الموجبة التي جعلته يستخلص أن دمشق يجب أن تدفع ثمن فعل تؤكد هي أن لا دليل على أنها ارتكبته. قالها بوضوح ان لديه من الأسباب ما يكفي لشن حرب من دون شرعية الأمم المتحدة.
بل حتى من دون مساعدة من بريطانيا التي أجبرها مشرعوها على الوقوف جانباً. وما أغفله الرئيس الأميركي، تولى وزير خارجيته جون كيري الإفصاح عنه. ملف كامل كان لا بد لموسكو أن تسارع في الرد عليه، معتبرة أن حجة واشنطن غير مقبولة، ولدمشق أن تقدم مرافعة تجدد فيها التأكيد على أن القضية مفبركة.
وكرر اوباما مقولة أن العملية الاميركية لمعاقبة النظام السوري ستكون «محدودة». ورأى أن الاسلحة الكيميائية تهدد الامن القومي الأميركي، ومعه الأردن وإسرائيل. وأعرب عن اعتقاده بأن مجلس الأمن الدولي عاجز عن اتخاذ الإجراءات المناسبة ردا على استخدام السلاح الكيميائي بسورية، مشيرا إلى أن عدم القيام بأي عمل في هذه الظروف سيعني أن القوانين الدولية غير مجدية. واعترف بأن الولايات المتحدة ترى أنه من الأفضل الآن «إيجاد حل متعدد الأطراف» للملف السوري.
أما كيري فأكد أن أي عمل عسكري ستقوم به بلاده وحلفاؤها لن يكون مثل الذي قاموا به في العراق وأفغانستان وليبيا، مشيراً إلى أن الحرب لن تكون طويلة بل ستكون الضربة محدودة ومؤثرة ولن تشارك فيها قوات على الارض. وأضاف أن «الصواريخ انطلقت من المناطق التي يسيطر عليها النظام، وسقطت في الأماكن التي تسيطر عليها قوات المعارضة، نعرف من أين انطلقت وأين سقطت ومتى وقع الهجوم بالأسلحة الكيميائية».
وأفاد الوزير الأميركي أن نظام الرئيس بشار الأسد لديه أكبر مخزون للأسلحة الكيميائية في المنطقة وأنه استخدمها ضد المدنيين العزل في ضواحي دمشق في 21 آب الحالي، مشيراً إلى أن النظام السوري قصف مكان «الجريمة» لمدة أربعة أيام لإخفاء الأدلة على استخدامه السلاح الكيميائي.
وللقيام بهذا التدخل العسكري المحتمل، سمى وزير الخارجية حلفاء لواشنطن مثل فرنسا والجامعة العربية واستراليا. واعتبر ايضا ان هذه العملية ستكون بمثابة رسالة الى ايران وحزب الله اللبناني، حليفي النظام السوري.
كذلك، اعلن مسؤول مقرّب من الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أن الأخير واوباما اللذين تحدثا عبر الهاتف أمس «واثقان كلاهما بالطبيعة الكيميائية للهجوم وبالمسؤولية المؤكدة للنظام» السوري عنه.
تصريحات تزامنت مع تسريب تقرير للاستخبارات الأميركية حمّل «بقدر عال من الثقة» النظام السوري مسؤولية الهجوم الكيميائي، لافتاً إلى أنه اسفر عن 1429 قتيلاً على الاقل بينهم 426 طفلاً. وأفاد التقرير الذي نشره البيت الابيض واستند في معلوماته إلى «عدة» مصادر استخباراتية أن النظام السوري استخدم في هذا الهجوم غازات الاعصاب، مستبعداً «في شكل كبير» أن يكون المعارضون السوريون قد شنوا الهجوم.
وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما، أبلغ أعضاء الكونغرس الأميركي بتفاصيل رد الولايات المتحدة المحتمل على النظام السوري.
وكشف وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل أن الولايات المتحدة ما تزال تعمل على تشكيل «تحالف دولي» للرد على الهجوم المفترض بالسلاح الكيميائي في سوريا، وذلك بعد رفض مجلس العموم البريطاني المشاركة بالتدخل العسكري ضد سوريا.
هولاند استبعد من جهته احتمال أن توجه الولايات المتحدة وحلفاؤها ضربة إلى سوريا قبل الأربعاء المقبل الذي سيشهد انعقاد جلسة طارئة للجمعية الوطنية الفرنسية لمناقشة الموضوع السوري.
ورفض رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان «الاكتفاء بعملية عسكرية محدودة ضد سوريا المتهمة بشن هجوم كيميائي على مدنيين من سكانها»، معتبرا ان «اي تدخل ينبغي ان يهدف الى اسقاط النظام في هذا البلد».
ومن نيويورك، قال دبلوماسيون ان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ابلغ الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن أن النتائج النهائية لتحليل العينات التي جمعها خبراء الأسلحة الكيميائية في سوريا الاسبوع الماضي قد لا تكون جاهزة قبل اسبوعين.
وسارع الناطق باسم الخارجية الروسية ألكسندر لوكاشيفيتش إلى التأكيد أن «التصريحات التي أطلقتها واشنطن والتي تهدد فيها باستخدام القوة ضد سوريا غير مقبولة». وأضاف أن «أي عملية عسكرية دون تفويض من مجلس الأمن الدولي، مهما كانت محدودة، ستصبح خرقا مباشرا للقانون الدولي وستنسف آفاق الحل السياسي الدبلوماسي للنزاع في سوريا وستؤدي إلى تصعيد جديد للمواجهة وسقوط المزيد من الضحايا. ولذا لا يجوز السماح بذلك».
أما وزارة الخارجية السورية فوصفت تقرير الاستخبارات الاميركية بأنه مجرد ادعاءات «كاذبة» و»بلا دليل» بل «روايات قديمة نشرها الارهابيون منذ اكثر من اسبوع بكل ما تحمل من فبركة وكذب وتلفيق»، مؤكدة ان «كل نقاط الاتهام للحكومة السورية هو كذب وعار عن الصحة».
وفند البيان السوري بعضا من عناصر الاتهام التي وردت في التقرير الاميركي ومنها «قضية الاتصال لأحد الضباط السوريين بعد الهجوم المفترض وهي أسخف من أن تناقش»، في اشارة الى اتصالات قالت الاستخبارات الاميركية انها اعترضتها بين مسؤول سوري رفيع المستوى «على علم وثيق بالهجوم» يؤكد فيها استخدام اسلحة كيميائية من جانب النظام. وقد ابدى هذا المسؤول، بحسب التقرير الاميركي، قلقه من حصول مفتشي الامم المتحدة الموجودين في العاصمة على ادلة، بحسب التقرير.
وكان وزير الخارجية السوري وليد المعلم أكد لبان كي مون أن دمشق سترفض اي تقرير جزئي تصدره الأمم المتحدة قبل انتهاء فريق التحقيق في استخدام السلاح الكيميائي من عمله.
اللافت كان في ما نقله مراسل وكالة «اسوشيتد برس» دايل كفاليك ونشره موقع «infowars.com» أمس في شأن أن «استخدام الكيميائي في الغوطة الشرقية والتي أدت الى مقتل نحو 800 شخص، واتهمت القوى الغربية النظام باستخدامها، كانت ناتجة عن سوء استعمال المسلحين لمواد زودتهم بها السعودية». وأشار المراسل الى أن «بعض المسلحين استلموا أسلحة كيميائية عن طريق رئيس المخابرات السعودية الأمير بندر بن سلطان، وهم من قاموا بتنفيذ هذا الهجوم». ولفت المراسل نقلا عن المسلحين، الى «أنهم غير مدربين بشكل صحيح على كيفية التعامل مع الأسلحة الكيميائية وأنه على ما يبدو كان من المفترض أن تعطى الأسلحة إلى تنظيم القاعدة فرع جبهة النصرة في سوريا».