دمشق | التهديدات الأميركية أرخت بظلالها على حياة السوريين وأطبقت على أنفاسهم كما الكابوس. لا حديث آخر يخيّم على الشارع السوري. الجميع أصبح متابعاً شغوفاً بأخبار جميع المحطات. تقضي عليهم الهواجس بحرب ابن البلاد والعشيرة التي يشنها على أخيه، في وقت يتهدد فيه أعداء الخارج أراضي الوطن كله. رئيس «هيئة التنسيق الوطنية» المعارضة، حسن عبد العظيم، يشرح لـ«الأخبار» رأي الهيئة في ما يخصّ الضربة العسكرية التي تحضّرها الولايات المتحدة لسوريا، على اعتبار أنّ أميركا تريد تدمير سوريا، كما دمرت كلاً من العراق وليبيا، ليصب كل ذلك في خدمة الكيان الصهيوني. ويتابع عبد العظيم قوله: «وقوع ضربة عسكرية في ظل الأحداث المتصاعدة في سوريا، سيحدث مزيداً من الفوضى والصراع والاقتتال، ما يقودنا إلى صراع طائفي ومذهبي». وبرأي عبد العظيم، فإن ضرب سوريا، إن حصل، سيجعل كل الاحتمالات مفتوحة، إذ إن سوريا، حسب تعبيره، ليست مستنفرة، بل هي في حالة اضطراب واقتتال، لتأتي هذه الضربة العسكرية، اليوم، بمثابة صب الزيت على النار وسيكون لها تداعيات لا يمكن التحكم بها.
السوريون يتناقلون بلهفة أخبار «سي إن إن» ومقالات الصحف الغربية المترجمة والمنقولة عن بعض المواقع والمحطات، كما لو كانوا مشتركين دوريين في وصول الصحيفة إلى محالّهم التجارية. «السي إن إن تقدم جدولاً زمنياً دقيقاً للحروب التي تشنّها الولايات المتحدة على الدول الأخرى. هذا ما فعلته أيام حربي العراق وأفغانستان»، وهذا ما يعبّر عنه جاد، السوري المقيم في بيروت تعقيباً على الحديث عن تهديدات الولايات المتحدة. ماذا قالت «سي إن إن» عن الضربة الأميركية التي ستُشن على سوريا؟ يجيب جاد: «مساء الخميس». «وسوى الروم خلف ظهرك رومٌ»، يضيف، فيما الحزن يغطي محياه. إذاً السوريون على الموعد مساء الخميس.
يروي الحاج أحمد «سيسافر ولدي يوم الخميس من مطار اللاذقية بعدما انتهت إجازته. أخشى في ما أخشاه أن أخسر الولد كما سنخسر جميعاً إن حدثت الضربة المتوقعة». يخشى العجوز من المسلحين داخل البلاد أكثر من خشيته التهديدات الأميركية. ويضيف: «ماذا لو انشغل جنود الجيش بتبعات الضربة الأميركية، واجتاح مسلّحو منطقة سلمى التي أهمل الجيش الدخول إليها لتخليصنا من هؤلاء الوحوش؟». لا يرتاح الرجل لعدم دخول منطقة سلمى من قبل الجيش، إذ يخشى الالتفاف على الجيش والقوات الرديفة له واجتياح البلاد. فكرة تُضحك زياد، جندي في الحرس الجمهوري السوري، الذي يعتبر أن يومين من الحرب النفسية المتبعة ضد الشعب السوري كانت كافية لتحصين أعصاب السوريين ومعنويات الجيش، بالإضافة إلى أخذ الاحتياطات اللازمة للتخفيف من الخسائر المحتملة في حال حصول الهجوم الأميركي. ويرى زياد أنّ الرد السوري جاهز للدفاع عن النفس، إذ إنّ عدم الرد اللازم هو أمر لم يعد وارداً بالنسبة إلى السوريين. الجندي المنضبط ضمن عناصر الجيش السوري يثق بقيادته السياسية والعسكرية، ويعتبر أنّ للحكمة دورها الهام في إدارة الأزمة الحالية، ما يعيد إلى الأذهان عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد الذي تميّز بسياسة هادئة استطاعت تجاوز الحروب العبثية التي هددت سوريا على مدار تاريخها الحديث.
خشية بعض السوريين الموالين، قبل المعارضين، كبيرة من أن تُضرَب البلاد، فيأتي الرد السياسي فقيراً، كما جرت العادة، تحت عنوان «الرد في الزمان والمكان المناسبين». وهو أمر يشرحه عمّار، شاب دمشقي، بالقول: «يجري الحديث عن ضرب 26 مطاراً. وإطلاق 100 صاروخ في أول غارة تستمر 48 ساعة. إذاً عدم الرد الفوري والحاسم هو أمرٌ غير مقبول. من المفروض أن تحترق إسرائيل تحت نار صواريخنا». فيما البعض الآخر يجد أن التهور لا ينفع في مثل هذه الحال من السُّعار الدولي والاصطفافات المليئة بالخذلان من العرب والأوروبيين، وسط محاولات مدنية فردية للقيام بأنشطة تلفت نظر الرأي العام إلى رفض الشعب السوري مثل هذه الضربة العدائية ضد بلاده.
وفي وقت يجنح فيه المعارضون نحو الشماتة بالنظام السوري في وقفة غريبة من الفصل بين النظام والبلاد أمام ضربة بمثل هذا الحجم، لا يستغرب السوريون الالتباس الذي تقع فيه شخصيات المعارضة، ولا سيما المقيمة في الخارج. فيعود إلى الأذهان مشهد المعارضة العراقية قُبيل الاحتلال الأميركي لبلادها، بكل فجاجة المشهد وقسوته على السوريين. مناصرو التيار الثالث نالوا حصتهم أيضاً من سخط الشارعين المؤيد والمعارض، إذ اعتبر المؤيدون أن التهديد الذي يمر فيه الوطن لا يتطلب أنصاف مواقف وحلول، بل يتطلب مواطنين مخلصين واضحين. أما المعارضون فقد انبروا لتبرير الضربة الأميركية والسخرية من كل من وقف ضدها.وسط جاهزية الجيش العالية واستنفاره، يترقب السوريون بالكثير من الحذر ما ستسفر عنه الأيام المقبلة من أحداث قد تقلب مصير البلاد والمنطقة إلى الأبد. بينما الأنظار تعلو نحو الجيش وكوادره ومقدراته ومضاداته الأرضية، مع الاعتماد على مساعدة الحلفاء والجيران ... المنتظرة.