كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» فصلاً جديداً من فصول العمل الاستخباري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين والعرب، من خلال تغلغل عملائها في المجتمعات العربية لعشرات السنين، باعتبارهم عرباً ومسلمين، مشيرة الى أن عدداً كبيراً من عملاء الموساد اليهود، من أصول عربية، جرى زرعهم في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي في مدن فلسطين المحتلة وعدد من الدول العربية، وتزوجوا وأنجبوا، إلا أنهم حافظوا على ولائهم وعلاقاتهم الاستخبارية مع إسرائيل.وأشارت الصحيفة في تقرير نشرت أمس مقتطفات منه، على أن ينشر كاملاً في ملحق خاص يوم الجمعة المقبل، الى أن «العملاء المزروعين نجحوا في الاندماج التام في المجتمعات العربية، وتزوجوا من عربيات وأنجبوا أطفالاً هم حالياً رجال ونساء كبار في السن، ومنهم من لا يدري حتى الآن أن أباه يهودي».
وتضيف الصحيفة أنه في نهاية سبعينيات القرن الماضي، عاد عدد كبير من العملاء الى إسرائيل، بعضهم اصطحب معه زوجته و/أو أولاده، إلا أن الأكثرية عادوا من دون مرافق»، مشيرة الى أن «بعضاً من أبناء هؤلاء العملاء يعيش الآن في إسرائيل ويعمل فيها، بل إن بعضهم تزوج من إسرائيليات يهوديات».
وأشارت الصحيفة الى أن العملاء المغروسين في الدول العربية كانوا ضمن مشروع خاص باسم «يوليسيس»، وهو مشروع سري تابع لشعبة «قيساريا» للعمليات الخاصة في الموساد، مضيفة أن العملاء كانوا أول من جلب معلومات للاستخبارات الاسرائيلية عن تنظيم حركة «فتح»، وكانوا شركاء في أول خطة لاغتيال (الرئيس الفلسطيني الراحل) ياسر عرفات وأبو جهاد (خليل الوزير).
ويرد في تقرير «يديعوت» معلومات عن عدد من العملاء وعن أولادهم الذين لم يعرفوا حتى الآن أن آباءهم إسرائيليون يهود، ويعيشون حياتهم كفلسطينيين في الدول العربية أو داخل فلسطين المحتلة، ومنهم «نجل عميل الموساد، أوري يسرائيل، البالغ من العمر حالياً خمسين عاماً، ويسكن خارج إسرائيل، وحتى اليوم لا يعرف أن أباه ليس فلسطينياً، بل يعمل في صفوف الموساد»، مشيرة الى أنه «ولد ليسرائيل ابن آخر من امرأة يهودية، واسمه شاي يسرائيل، يعمل حالياً محامياً، لا يدري عن أخيه شيئاً».
بداية القصة، بحسب تقرير الصحيفة، بدأت عام 1950، عندما شكل «ايسار هرئيل»، الذي كان يرأس في حينه جهاز الشاباك، وحدة خاصة أطلق عليها اسم «يوليسيس»، وهدفها زرع عملاء بين اللاجئين الفلسطينيين داخل إسرائيل وفي الدول العربية. والمجندون للوحدة كانوا يهوداً من أصول تعود الى الدول العربية، ممن هاجروا لتوهم الى إسرائيل، و«قد انضموا الى الوحدة بعد أن صوّر هرئيل لهم المهمة على أنها الاكثر أهمية وحساسية وتخدم المصالح الاسرائيلية الحيوية».
يشير التقرير الى أن المجندين، وبعضهم لم يكن بلغ العشرين، فصلوا بشكل كامل عن عائلاتهم، وعاشوا في شقق سرية في يافا لفترة تأهيل وصلت الى عام ونصف العام، حيث تدربوا على صقل شخصياتهم العربية الجديدة، ودرسوا الدين الاسلامي جيداً، إضافة الى مهارات التجسس والتخريب. وبحسب التقرير، فإن عملية زرع العملاء كانت مضنية وقاسية، وقد واجهوا متاعب غير سهلة، من قبل إسرائيل نفسها.
وكعينة مختارة، يشير التقرير الى أن اثنين من العملاء اجتازا الحدود من الاردن الى منطقة أم الفحم، وكانا يرتديان ملابس ممزقة وبالية باعتبارهما لاجئين فلسطينيين، وقد دخلا الى أحد المقاهي في المدينة وطلبا القهوة، إلا أن رجال الاستخبارات الاسرائيلية رصدوا تسللهما، وبعد نحو نصف ساعة أحاطت ثماني سيارات من الشرطة الاسرائيلية بالمكان، وجرّوهما الى الخارج باعتبارهما متسللين، وقاموا بضربهما ضرباً مبرحاً.
معظم عناصر وحدة «يوليسيس» أعيدوا الى إسرائيل في عام 1959. ولكنّ اثنين منهم نقلا الى الموساد، وواصلا العيش كعرب، وبتشجيع من مسؤوليهم تزوجا وأنجبا، واتخذا صورة فلسطينيين وطنيين، ممن يكرهون إسرائيل واليهود. وفي النصف الاول من عام 1964، أبلغ العميلان عن شبكة فلسطينية جديدة، على رأسها اسمان، هما خليل الوزير (أبو جهاد) وياسر عرفات (أبو عمار)، بل إن «الشقة التي التقى فيها قادة حركة فتح وخططوا كي يشطبوا إسرائيل من الخريطة، كانت مموّلة من قبل أوري يسرائيل، الذي كان يعمل تحت اسم عبد القادر، وعملاء الموساد بفضله سمعوا كل ما جرى في الشقة، عبر الميكروفونات التي زرعها في جدرانها.
ويشير التقرير الى حادثة «دراماتيكية» حصلت مع أحد العميلين، الذي تزوج في بيروت وسكن فيها، إذ إن زوجته ضبطته وهو يرسل بالشيفرة معلومات الى إسرائيل، «إلا أنه فضّل أن يقول الحقيقة لزوجته: لست فلسطينياً يؤيد حركة فتح، بل يهودي. وأكثر من ذلك، أنا جاسوس للموساد».