برلين | في خضم المشاورات الجارية حول العملية العسكرية المحتمل توجيهها لسوريا، والحركة الديبلوماسية الناشطة وتسارع وتيرة الاجتماعات والمؤتمرات الصحافية والتصريحات، تبدو موسكو هادئة جداً وغير مقتنعة تماماً بأنّ عملية عسكرية ضد سوريا قدر لا مفر منه. وفي أسوأ الاحتمالات، تعتبر موسكو أنّه في حال حصول هجوم على دمشق فهو سيكون هجوماً محدوداً جداً وله أبعاد سياسية أكبر من حجمه العسكري. وفي هذا الإطار، يؤكد الديبلوماسي الروسي السابق، فيتشسلاف ماتوزوف، في حديث لـ«الأخبار»، أنّ المعطيات الميدانية لا توحي بأن واشنطن عازمة فعلاً على خوض عملية عسكرية واسعة تصل إلى حدّ إطاحة الرئيس السوري بشار الأسد، فلا القوات الأميركية المتواجدة في المنطقة كافية لخوض عمل من هذا النوع، ولا هي في وضعية الجهوزية التامة لإنجاز مهمة كهذه. وبرأي ماتوزوف، فإن العملية ستكون محدودة جداً وليست مؤثرة على مجريات الوضع السوري والانجازات التي حققها الجيش السوري على الأرض في الفترة الأخيرة .
ورأى ماتوزوف أنّ إدارة واشنطن تكبدت الكثير من الخسائر في المنطقة وآخر ما تكبدته هو فقدانها للدور المؤثر في الملف المصري، وما تسبب فيه هذا الملف من انقسامات بين الدول الموالية لواشنطن في المنطقة. ولذا تبحث إدارة أوباما عن تحقيق أي نصر ولو وهمياً يكون له وزنه السياسي حتى ولو كانت النتائج التي سيحققها على الصعيد العسكري أقل بكثير من ثمن الأسلحة التي ستستخدم لتنفيذه.
ونفى ماتوزوف أن تكون الإدارة الأميركية قد أطلعت موسكو على خططها العسكرية أو قدمت لها أي تعهدات بمحدودية الهجمة مثلاً، معتبراً أنّ واشنطن ليست بحاجة لذلك، واقتصار العمل العسكري على ضربة محدودة لا يأتي خوفاً من رد فعل موسكو بل خوفاً من رد فعل الشارع الأميركي، الذي يرفض أن تتورط بلاده في حرب شاملة جديدة. وبرأي الديبلوماسي الروسي فإنّ الضربة لن تكون قبل انسحاب المفتشين الدوليين من سوريا.
وحول الموقف الروسي وهل لدى موسكو خطوط حمراء ترفض أن تتجاوزها العملية العسكرية المرتقبة ضد سوريا، رأى ماتوزوف أنّ روسيا لن تشعل حرباً عالمية ثالثة من أجل سوريا، وقد أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف صراحة أن بلاده لن تتدخل عسكرياً إلى جانب سوريا. ولكن ما لم يتحدث عنه لافروف هو المساعدات التقنية والتكنولوجية. وتابع ماتوزوف أنّ هناك عشرات الخبراء الروس في سوريا وهم ينسقون مع الجيش السوري ويقدمون له الكثير من الخبرات والإرشادات. فكما أنّ واشنطن تجيد اللعب بالسياسة بحيث تقود هجمة عسكرية على سوريا من دون أن تتورط في حرب شاملة، فكذلك موسكو تستطيع مساعدة الأسد دون إشعال حرب عالمية ثالثة، ودون أن تخوض مواجهة مباشرة مع الأطلسي. فروسيا تدرك أنه لا يمكنها أن تظهر كمن يتخلى عن حلفائه ويتركهم لمصيرهم عندما يشتد الخطر، ونظام الأسد يعرف أنّ روسيا وقفت إلى جانبه واستخدمت حق النقض في مجلس الأمن للدفاع عنه، وهي كما قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم لم ولن تتخلى عنه.
واعتبر ماتوزوف أنّ السيناريو المحتمل للهجمة هو توجيه ضربة لأهداف قد لا تكون ذات تأثير كبير، فالأهداف المهمة كقيادة الأركان أو القيادات العسكرية أو المراكز المهمة الأخرى موجودة في داخل العاصمة، وتحديداً في مناطق سكنية فهل واشنطن قادرة على تحمل أعباء ارتكاب مجزرة بحق المدنيين، وهي في حالة خرق واضح للقانون الدولي. وهي بالتأكيد لن تستهدف المصانع الكيميائية أو مخازنها فذلك أمر خطير جداً وقد يتسبب بكارثة، ولذا فإن الأهداف المحتملة ليست كبيرة، وإذا بقيت الهجمة في إطارها المتوقع فقد لا يرد النظام السوري عليها لأنه لا يريد خوض حرب شاملة، ورأينا في الأشهر الماضية أن إسرائيل شنت أيضاً عدداً من الهجمات الجوية على أهداف في الداخل السوري، قرّر النظام في دمشق أنّ حجم الأضرار الناجمة عنها أقل من الدخول في حرب شاملة قد تفلت الأمور من عقالها وتشعل المنطقة وتخلط الأوراق وتؤدي إلى خسارته معركته في الداخل. وهذا قد يحدث الآن أيضاً. ولكن الديبلوماسي الروسي السابق تابع أنّه في حال تخطت الضربة السقف المحدد لها أو في حال قررت دمشق المواجهة فهي تملك قدرات عسكرية متطورة، وجيشاً كبيراً يبلغ عديده 300 ألف، وأسلحة روسية الصنع تمكنه من خوض الحرب. وتتفق أقوال ماتوزوف مع تصريحات أحد الخبراء العسكريين الروس لوكالة الصحافة الفرنسية حول امتلاك الجيش السوري لبطاريات صواريخ «بوك أم 2» للدفاع الجوي، وقدرات هذه المنظومة بما يمنع تحقيق نصر سهل للقوات المهاجمة.
وخلص ماتوزوف إلى أنّ النظام في سوريا، وتحديداً الرئيس الأسد، يدرك أن هذه المعركة سواء التي يخوضها ضد المعارضة المسلحة في الداخل أم المعركة التي قد تشنها قوات أميركية بريطانية وفرنسية مشتركة ضده من الخارج، هو يدرك تماماً أن هذه المعركة هي معركته الفاصلة والحاسمة ولذا فهو يخوضها بكل شراسة. فالأسد يعرف أنها مسألة حياة أو موت له ولعائلته ولذا فهو لن يستسلم وسيحارب حتى النهاية، يتابع. وأضاف أنّه «يجب ألا ننسى أنّ للأسد حلفاء أقوياء آخرين غير روسيا، وهم لن يتركونه يسقط كما أعلنوا مراراً».