الأزمة السورية تستحوذ على الجزء الأساسي من المؤسستين الأمنية والسياسية في إسرائيل، بدءاً من اجتماعات المجلس الوزاري المصغر مروراً برسائل التحذير من استهدافها، وصولاً إلى التقديرات التي تتناول أهداف الضربة الأميركية المحتملة وتداعياتها.
بموازاة جلسة المجلس الوزاري المصغر، المخصصة لمناقشة التطورات المحتملة على الساحة السورية والخيارات العملانية الإسرائيلية، والتي جرى الاعلان عنها في وسائل الإعلام الإسرائيلية كرسالة بحد ذاتها، أكد رئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، أفيغدور ليبرمان، أنّ «لا مصلحة لإسرائيل بالتدخل في الصراع في سوريا، إلا أنها قد تكون مضطرة إلى ذلك إذا حدثت تطورات خطيرة، كما أنّ لا مصلحة لإسرائيل بالدخول إلى الدوامة التي تعصف بالعالم العربي». وأضاف ليبرمان، لإذاعة الجيش الإسرائيلي، «ما يمكن أن يجرّ إسرائيل إلى داخل الصراع في سوريا هو هجوم كبير لن نتمكن من تحمله، أو إذا رأينا أنه يتم نقل أسلحة كيميائية إلى حزب الله، وهناك سيناريوهات عديدة، ولا يمكننا أن نفكر في جميع السيناريوهات، والواقع أقوى من أية مخيلة لأكبر الخبراء في العالم». وقدر ليبرمان أنّه «لا أعتقد أنه توجد مصلحة لدى حزب الله باستفزازنا، ولا توجد للرئيس السوري بشار الأسد مصلحة كهذه أيضاً»، مضيفاً أنّهم «يعلمون ما هي العواقب إذا دخلت إلى إسرائيل إلى الصورة، ولذلك فإنه لا يوجد الآن لدى أحد مصلحة بأن تدخل إسرائيل إلى الحلبة وتلعب دورا نشطاً فيها».
بدوره، أكد نائب وزير الدفاع، داني دانون، أنّ إسرائيل لن تتدخل في الأزمة السورية، ولن تنجرّ خلف أي استفزازات، لكنها تعرف كيفية حماية نفسها ومصالحها وسترد في حال تعرضها لهجوم. وأشار إلى أنّ المجتمع الدولي ينتهج النهج الصحيح بتحركه لوقف الهجمات التي يشنها النظام السوري. ولفت إلى أنّ إيران تنظر باهتمام بالغ إلى كيفية تعامل القوى العظمى مع الأزمة السورية.
في السياق نفسه، استبعدت مصادر أمنية إسرائيلية امكانية قيام دمشق باطلاق النار على أراضيها، رداً على ضربة عسكرية أميركية محتملة، تجنباً لردّ إسرائيلي واسع النطاق في الوقت الذي يخوض فيه نظام الاسد صراع البقاء. كذلك رجحت المصادر، نفسها، عدم قيام حزب الله بفتح جبهة جديدة مع إسرائيل. غير أنّ المصادر عادت وأوضحت بأنّ إسرائيل تستعد لأيّ سيناريو مرجِّحة أن يطلعها الجانب الأميركي مسبقاً على أي عملية عسكرية له. ونقل موقع «إسرائيل ديفنس»، تقدير المؤسسة الأمنية بالقول إنّ الولايات المتحدة ستهاجم سوريا، وامكانية الرد على إسرائيل ليست مرتفعة. وفي السياق نفسه، نقل الموقع عن مدير وزارة الشؤون الاستخبارية والاستراتيجية، العميد يوسي كوبرفوسر، والذي تولى سابقاً رئاسة وحدة الأبحاث في الاستخبارات العسكرية، قوله إنّه ليس للأسد أي مصلحة بمهاجمة إسرائيل، لأنه سيتعرض في ذلك الحين لخطر الرد الشديد، مؤكداً بأن إسرائيل «ليست طرفاً في الحرب الأهلية في سوريا». وأضاف الموقع أنّهم في إسرائيل يقدرون بأن الهجوم الأميركي سيكون من الجو أو البحر، ويمكن أن يشمل صواريخ موجهة من نوع «توماهوك».
على خط مواز، ذكر موقع «هآرتس» أنّ وفداً أمنياً إسرائيلياً رفيع المستوى برئاسة مستشار الأمن القومي، اللواء احتياط يعقوف عاميدرور، وصل الاثنين إلى العاصمة الأميركية لإجراء مباحثات سياسية وأمنية مع كبار مسؤولي الإدارة الأميركية. وأجرى الوفد مشاورات أمنية مع مستشارة الأمن القومي الأميركية، سوزان رايس، تمحورت حول التطورات في سوريا ومصر. ورغم أنّ موعداً كان قد تم تحديده قبل أسابيع عدة، إلا أنه بأت أكثر أهمية وضرورة على ضوء الأحداث الجارية في سوريا، والاستعدادات في الولايات المتحدة لإمكانية توجيه ضربة عسكرية لسوريا. ونقلاً عن موظف إسرائيلي رفيع المستوى، ذكرت صحيفة «هآرتس» أنّ الوفد ضمّ، أيضاً، رئيس القسم السياسي الأمني في وزارة الدفاع الإسرائيلية، اللواء احتياط عاموس جلعاد، ورئيس شعبة التخطيط في الجيش الإسرائيلي، اللواء نمرود شيفر، ورئيس قسم البحث في الاستخبارات العسكرية (أمان)، إيتاي بارون، ورئيس القسم الاستراتيجي في وزارة الخارجية جيرمي يسسخاروف ومسؤولين رفيعي المستوى في الشاباك، والسفير الإسرائيلي في واشنطن مايكل أورن الذي ينهي عمله قريباً. وبحسب البيت الأبيض فإنّ هذا اللقاء هو «الأخير في سلسلة مشاورات دائمة على مستوى رفيع بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ويعبّر عن الشراكة الاستراتيجية القوية وجزء من الالتزامات الثابتة بأمن إسرائيل».
من جهة أخرى، رأى معلق الشؤون الأمنية في موقع «يديعوت أحرونوت» الالكتروني، رون بن يشاي، أنّه بعد موقف وزير الخارجية الأميركي جون كيري، في ما يتعلق بالحدث السوري، لم يبق مكان للشك بأن الولايات المتحدة على وشك العمل، وعلى ما يبدو بدرجة قوية، ضد النظام السوري. وأضاف أنّ كلام كيري يشير إلى أنّ الولايات المتحدة لا ترى أي طريقة أخرى غير الرد بقوة. ولفت بن يشاي إلى أنّ السؤال المتبقي: متى وكيف ستعمل الولايات المتحدة. واعتبر أنّ التخطيط قوّى الائتلاف الذي يتشكل لضرب سوريا، ويتركز على مجالين، الأول التخطيط للعملية والقوى التي ستنفذها، والثاني يتعلق بالتخطيط لـ«اليوم الذي يلي» العملية.
بدوره، رأى المعلق السياسي في صحيفة «هارتس»، حامي شاليف، أنّ كيري وضع يوم الاثنين الأساس الفكري لعملية عسكرية أميركية يبدو أنها أخذت تقترب في سوريا، مغلفاً ذلك بالبعد الانساني انسجاماً مع الشعار الذي يغلف الحملة العسكرية التي يتم الاعداد لها على سوريا. واعتبر أنّ الهجوم الأميركي لن يكون لإحداث تحوّل أساسي في الحرب الدائرة في سوريا أو المسّ المفرط بـ«زبون» موسكو وطهران. ولهذا يقول كيري، لن يكون لروسيا سبب يدفعها إلى أن ترى الهجوم المتوقع سبباً لرد شديد قد يدفع المنطقة كلها إلى هاوية.
في المقابل، رأى قائد سلاح الجو السابق، ايتان بن الياهو، في مقالة له في «يديعوت أحرونوت» إنّه ينبغي قبل الخروج لعملية عسكرية، تحديد الانجاز المطلوب؟ وبعد ذلك ينبغي التحقق من أن الجيش يملك معلومات كاملة عن موقع الأهداف وتحصينها وتحصين استعدادات العدو، ثم المقارنة بين الخيارات في ضوء تقدير احتمالات النجاح في مقابل الأخطار. ورأى أنه في حال استقر رأي أوباما على مهاجمة سوريا فسيضطر إلى أن يحسم موقفه بين خيارات رئيسية وهي: القضاء على نظام الأسد؛ أو المس الكبير بمخزونات السلاح الكيميائي وبأهداف للسلطة لعقاب الأسد وردعه، أو عملية رد محدودة تُرضي الساسة والرأي العام، أي «عملية لحاجات داخلية».