واشنطن | يتصاعد قرع طبول الحرب في واشنطن وعواصم غربية حليفة منذ أن تبنّت ادعاءات المعارضة السورية بمسؤولية دمشق عمّا قيل إنّه هجوم بالأسلحة الكيميائية في منطقة الغوطة الشرقية، حيث تزامن ذلك (وليس مصادفة) مع الذكرى السنوية الأولى لتصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما (21 آب 2012) التي حذّر فيها سوريا من أن استخدام الأسلحة الكيميائية هو خط أحمر بالنسبة إلى الولايات المتحدة. وهو تصريح قوبل باستغراب، حينها، من كبار مساعديه في ذلك الوقت. ويبدو أنّ الحملة الأميركية والغربية، التي قوبلت بتحذير قوي من روسيا وبلدان أخرى من مغبة اللجوء إلى التدخل المباشر، تهدف إلى ابتزاز الحكم السوري لوقف الهجوم العسكري الذي تشنه القوات الحكومية في إطار عملية «درع العاصمة» لإنهاء وجود الجماعات المسلحة في منطقة الغوطة الشرقية، حيث تشير أنباء إلى أن خسائر الجماعات المسلحة كبيرة فيها، وهو ما يجعل ميزان القوى مختلاً بشكل كبير لمصلحة الحكومة السورية، ويوفر لها فرصة سحب بعض قواتها من تلك المنطقة للعمل في منطقة حلب.
وكانت الحكومة الأميركية وحلفاؤها الغربيون والخليجيون قد أكدوا مراراً أنّ مؤتمر جنيف لن ينعقد بدون حدوث تغيير في ميزان القوى لمصلحة جماعات المعارضة السورية. وشهدت الأيام القليلة الماضية تصاعد التصريحات تدريجاً من قبل رؤساء ورؤساء حكومات ووزراء خارجية ودفاع ورؤساء أركان في العواصم الغربية تحمل تهديدات باتخاذ إجراءات عسكرية (محتملة) ضد دمشق، بذريعة أنها تجاوزت هذه المرة كافة الخطوط الحمر. فالرئيس أوباما اجتمع يوم السبت (وهو يوم عطلة) مع فريقه للأمن القومي والسياسة الخارجية لعرض كافة الخيارات المتاحة للردّ على الهجوم بالأسلحة الكيميائية، وتشاور هاتفياً مع رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون. ودعا وزير الخارجية الأميركي جون كيري في اتصال نظيره السوري وليد المعلم إلى السماح بحرية وصول فريق الأمم المتحدة إلى كافة الأماكن التي يزعم أنها تعرضت للسلاح الكيميائي. كذلك جرى الإعلان عن اجتماع رؤساء هيئات الأركان لجيوش غربية وعربية وإقليمية في الأردن، أمس، وهو ما يعطي الانطباع بأن قرع طبول الحرب هذه المرة ربما كان جدياً.
وبدأت آلة الإعلام الأميركي تواكب الموقف الأميركي الذي بدأ ينتقل من خلال تصريحات كبار المسؤولين الأميركيين من سيناريوات الحلّ الدبلوماسي إلى سيناريوات التدخل والعدوان العسكري المباشر. بدأ الحديث عن تحرك قطع عسكرية بحرية أميركية في مياه البحر المتوسط تحمل صواريخ كروز، وعن حجم التدخل وما إذا كان سيشمل إقامة منطقة حظر طيران لحماية الجماعات المسلحة، وما إذا كان سيكون قصفاً محدوداً لمواقع عسكرية و«سياسية سيادية» أم سيكون عدواناً واسعاً لإطاحة نظام الحكم الذي كان في أيلول 2011 على قائمة جورج بوش لأنظمة الحكم السبعة في المنطقة والبلدان التي كان ينوي التدخل عسكرياً فيها وتغييرها في غضون سبع سنوات، حسبما ذكر سابقاً الجنرال الأميركي ويسلي كلارك (العراق، سوريا، لبنان، ليبيا، الصومال، السودان وإيران)، وقد بدأها باحتلال العراق، فيما أطاح خلفه أوباما عسكرياً نظام حكم الراحل معمر القذافي.
غير أنّ المسؤولين الأميركيين ودعاة الحرب في الكونغرس يتفقون حتى الآن على أنّ الخيارات لا تشمل نشر قوات أميركية على الأراضي السورية، علماً بأن ضباط وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إي) ومدربين عسكريين أميركيين ينشطون في العمل مع الجماعات السورية المسلحة انطلاقاً من الأردن وتركيا.
ويقول مسؤولون أميركيون إنّهم يخططون لنقل قضيتهم إلى الأمم المتحدة، وإن كانوا يؤكدون في الوقت نفسه أنّ هناك طرقاً قانونية أخرى قد يستخدمونها من أجل تأمين الدعم القانوني لعمل عسكري.

سيناريوات العدوان وفقدان الحلّ السحري

يملك البيت الأبيض العديد من الأسلحة في التعامل مع الأزمة السورية فيما لو قرّر أوباما المضي بعيداً عن الحلّ الدبلوماسي واللجوء إلى الحل العسكري، الذي طالما حذّر هو وكبار مساعديه من عواقبه على الولايات المتحدة والمنطقة، غير أن خبراء ومحللين يؤكدون عدم وجود حلّ سحري لدى أوباما.
والخيارات التي طلب أوباما من فريقه للأمن القومي والسياسة الخارجية عرضها أمامه تشمل قائمة واسعة تتراوح ما بين القصف الجوي من حاملات الطائرات الأميركية التي تمخر عباب المتوسط والقوات الجوية الأميركية التي تتمركز في أوروبا وبلدان المنطقة (الأردن، تركيا وقطر) ووحدات عسكرية أخرى وقدرات عسكرية كثيرة يمكن البنتاغون تسخيرها لتنفيذ تعليمات الرئيس.
ولكن المحللين يرون أن قائمة «الخيارات المتاحة» لأوباما حالياً لا تختلف عما كان عرض عليه قبل ستة أشهر أو سنة، عندما أعلن تحذيره الشهير للرئيس السوري الخاص بالخط الأحمر.
لذلك، فإن معضلة التدخل الأميركي العسكري المباشر لا تزال قائمة بغض النظر عمّا يقرّر أوباما. كل المعضلات حول التدخل الأميركي لا تزال في مكانها، بغض النظر عمّا يقرر الرئيس في نهاية المطاف، ولم يظهر بعد حتى الآن ما يمكن اعتباره مساراً جذاباً لعمل ضد سوريا، بالرغم من الشكوك حول استخدام الحكومة السورية أسلحة كيميائية، والتي قال الأميركيون وحلفاؤهم الغربيون إنها شبه مؤكدة.

تحذيرات ودعوات حرب

وقد حذر رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي والقادة العسكريون الآخرون لشهور طويلة من مغبة التدخل العسكري في سوريا. غير أن السؤال الذي يطرحه الخبراء هو ليس ما إذا كان لدى الولايات المتحدة القدرة على التدخل، ولكن إن كان ينبغي عليها القيام بذلك.
ويتعرّض البيت الأبيض لضغوط من الداخل والخارج لدفعه إلى العمل العسكري المباشر ضد سوريا. وقد استغل دعاة الحرب في الكونغرس وخارجه تصريحات مسؤول أميركي كبير بوجود «شكوك ضئيلة» في أن النظام السوري قد استخدم أسلحة كيميائية ضد المدنيين، لتوفير شبه إجماع بضرورة عمل شيء ما للرد على ذلك. وقال العضو الديموقراطي البارز في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، إليوت إنغل، المحسوب على اللوبي الإسرائيلي، في مقابلة مع شبكة «فوكس نيوز» أول من أمس، إنه لا ينبغي على أوباما انتظار عودة الكونغرس من عطلته الصيفية لاتخاذ أي إجراء ضد سوريا. وأضاف أنّه ينبغي أن نتصرف، وذلك باستخدام صواريخ كروز في قصف مواقع سورية «ولكن ليس بإرسال جنود، لتدمير مدارج الطائرات ومخازن الذخائر والوقود».
أما العضو الجمهوري البارز في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بوب كروكر، فقد اتفق مع إنغل في المقابلة ذاتها، وقال إنّ التقارير الإعلامية التي تخرج من سوريا تشير إلى وقوع هجمات بالأسلحة الكيميائية. وأضاف «إنّ شعوري هو أن هذا قد حدث، وأعتقد أننا سوف نرد بطريقة جراحية (سريعة)».
وقال كروكر إنّ من المهم عدم الابتعاد عن سياسة الولايات المتحدة السماح لجماعات المعارضة بأخذ زمام المبادرة على الأرض.
كذلك أصدر العضوان الجمهوريان البارزان في مجلس الشيوخ، جون ماكين وليندسي غراهام، بياناً دعوا فيه إلى قصف مواقع سورية كضربات «موجهة» بصواريخ كروز على سبيل المثال، لإضعاف القدرات الجوية السورية والمساعدة في إقامة «مناطق آمنة» على الأرض.
أما العضو الديموقراطي البارز في لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، جاك ريد، فقد دعا في مقابلة مع شبكة التلفزيون الأميركية «سي بي إس» إلى ضرورة أن يكون أيّ رد تقوم به الولايات المتحدة على مزاعم استخدام لأسلحة كيميائية في سوريا جزءاً من تحرك دولي.
أما وزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول، فقد وصف الرئيس السوري بأنه «كذاب بالفطرة». وكان باول سبق أن التقى الأسد في دمشق في أيار 2003 بعيد غزو العراق، وعرض عليه قائمة المطالب الأميركية، بدءاً من طرد قيادة حماس إلى التخلي عن إيران واستئناف التفاوض المنفرد مع إسرائيل وإنهاء العلاقة مع حزب الله وإرسال قوات سورية إلى العراق لتكون جزءاً من قوات عربية لحفظ الأمن هناك. وأشار باول، في مقابلة مع شبكة «سي بي أس» الأميركية، إلى إن الولايات المتحدة لا تستطيع الحصول على تفويض من الأمم المتحدة، «ولكن بدلاً من ذلك يجب دفع الأطراف السورية في الاتجاه الصحيح».
ومن بين السيناريوات التي تحدثت عنها وسائل الإعلام الأميركية أن يطلب أوباما من البحرية الأميركية قصف الأهداف الرئيسية التي من شأنها أن تعطل قدرة الجيش السوري في حربه ضد المسلحين. وتشمل الأهداف مرافق الاتصالات، ومستودعات التموين، أو حتى وحدات قتالية. ويمكن استخدام صواريخ كروز توماهوك التي تطلق من سفن البحرية في عرض البحر لتدمير مثل هذه الأهداف على وجه التحديد، من دون المخاطرة بإرسال طائرات فوق سوريا.



نموذج كوسوفو

ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أنّ الولايات المتحدة قد توجّه ضربات عسكرية لسوريا من دون تفويض من الأمم المتحدة مستوحاة من الضربات الجوية التي نفذت ضد يوغوسلافيا عام 1999، بدعوى حماية إقليم كوسوفو. وكان مستحيلاً التوصل إلى قرار من مجلس الأمن يجيز اللجوء إلى القوة ضد الجمهورية اليوغوسلافية السابقة بسبب الفيتو الروسي في مجلس الأمن. وفي آذار 1999، شنّ حلف الأطلسي، بقيادة الولايات المتحدة، غارات على القوات الصربية في كوسوفو بحجة أن الفظاعات التي ارتكبتها في الإقليم تعتبر وضعاً إنسانياً طارئاً، واستمر الهجوم 78 يوماً.
واليوم كما في الماضي، تعارض روسيا قراراً في مجلس الأمن يجيز اللجوء إلى القوة ضد سوريا، في وقت صرّح فيه مسؤول أميركي رفيع المستوى بأنّه «سنكون ذهبنا بعيداً إذا ما قلنا إننا نبحث عن مبرر مشروع لعمل عسكري، خصوصاً أن الرئيس لم يتخذ بعد أي قرار». وأضاف «لكن بالطبع، يشكّل (إقليم) كوسوفو سابقة لوضع يمكن أن يكون مشابهاً». وقال إنّ النقاش حول كوسوفو كان أحد المواضيع التي بحثت في البيت الأبيض بشأن الأزمة السورية، موضحاً أن العواقب المحتملة لتوجيه ضربات في سوريا على دول المنطقة مثل لبنان والأردن وتركيا أو مصر تدرس أيضاً.غير أن المشكلة التي تواجهها الولايات المتحدة هي ما إذا كانت القوات البحرية بتدميرها الأهداف الموضوعة قادرة على إعاقة قدرة الجيش السوري على إطالة أمد القتال ضد المتمردين. ويمكن أن يقرر أوباما مهاجمة سلاح الجو السوري مباشرة وتدمير ما يمكن من طائراته على الأرض بصواريخ كروز أو استخدام طائرات الشبح الأميركية (بي ــ2). ويمكن القوات البحرية والجوية التعامل مع ذلك أيضاً، ولكن قد يتطلب الأمر تطبيق النموذج الليبي أو حتى الحملة الجوية على العراق، مع موجات من الهجمات للقضاء على الدفاعات الجوية السورية، ومن ثم تمهيد الطريق لتوجيه ضربات مباشرة ضد القوات الحكومية. ومن شأن ذلك أن تصبح واشنطن ملتزمة التزاماً كاملاً، والتحليق على نحو فعال لتقديم الدعم الجوي للمتمردين السوريين، ما من شأنه انجرار الولايات المتحدة إلى حرب مكلفة في سوريا.ويبقى أمام الولايات المتحدة أيضاً التعامل مع مخزون سوريا من الأسلحة الكيميائية، وهو ما يمثّل جزءاً من المخاوف التي تزعزع الاستقرار في سوريا، والسيطرة عليها قد تتطلب قوات العمليات الخاصة لتأمينها تماماً، وهناك خطورة كبيرة من تدميرها بقصف جوي، وهو ما يؤدي إلى انتشار المواد الكيميائية التي يمكن أن تلحق ضرراً خطيراً بالبيئة، وتؤدي إلى انتشار مواد سامة تسبب حالات موت.