غزة | تقف المنظمات الحقوقية المحلية والدولية في مواجهة سلطة «حماس» الحاكمة في قطاع غزة، لتمنعها من تنفيذ حكم تعدّه مخالفاً لأبسط الحقوق الإنسانية، فيما تعدّه «حماس» تنفيذاً لشرعية إلهية. القضية هنا تتمحور حول حق الإنسان في الحياة، ومدى مشروعية قتلها إن قتلت حيوات أخرى، وارتبطت بخيانة الدم الفلسطيني. احتدمت المواجهة بين الطرفين إثر قرار أصدره النائب العام أخيراً يقضي بتنفيذ حكم إعدام علني قريباً لأحد المتّهمين بارتكاب جريمتي قتل مروعتين. الموقف يتلخّص في تحريم يقابله تحليل. التحريم بطبيعة الحال مصدره الطرف المتشبّث باتفاقيات ومواثيق حقوق الإنسان، والتحليل للإعدام مصدره حكومةٌ ذات نهجٍ إسلامي تنطلق من قاعدة شرعية تستوجب القصاص، استناداً إلى «ولكم في القصاص حياةٌ يا أولي الألباب». ولا مجال هنا للاتفاق على حل وسط يرضي الطرفين، فعلامة النصر سترفعها الحكومة أو حقوق الإنسان، غير أن العوامل المحيطة والمؤشرات الراهنة تبدو أنها لمصلحة الحكومة هذه المرة. وأعلن النائب العام في غزة، إسماعيل جبر، حربه على الجنائيين، نتيجة ازدياد رقعة القتل والاستهتار بالروح البشرية دون إيجاد رادع يقضي على بذرة القتل ويمنع نموها، بعدما تجاوزت جرائم القتل الاثنتين والثلاثين حالةً من فترة ليست ببعيدة. وقال جبر: «نحن الآن في صدد التنسيق مع وزارة الداخلية لإتمام إجراءات عملية الإعدام التي ستحضرها مجموعة من المسؤولين والناس في الأيام القليلة القادمة»، وذلك رغم عدم قانونية الحكم بموجب قانون الإجراءات الجزائية رقم 3 لعام 2001، القاضي بعدم تنفيذ حكم الإعدام بحق أي شخص إلا بعد تصديق الرئيس على الحكم، وهو أمرٌ يستحيل تحقيقه في ظل حالةٍ تشهد من حينٍ إلى آخر استقطاباً سياسياً حاداً وخلافاً عميقاً بين سلطتي الضفة وغزة، ما حدا النائب العام إلى الخروج من المأزق القانوني هذا، والتحجّج بوجود فراغ دستوري في منصب الرئيس محمود عباس بعدما انتهت ولايته، فبات من صلاحيات الحكومة الفعلية تدبير أمور البلاد والتصرف بحزم وفق ما تقتضيه المصالح الأمنية في غزة.
ويؤمن جبر بأنه استنفد كافة الطرق القانونية والقضائية السليمة، وفق الدستور الفلسطيني الذي ينص على شرعية تنفيذ أحكام الإعدام بحق القتلة والمجرمين. غير أن المؤسسات الحقوقية ترى أن حكومة غزة وقعت في فخين كبيرين، أولهما عدم أحقيتها بالمطلق في تنفيذ حكم الإعدام، وثانيهما اتخاذها العلنيّة شكلاً لتطبيق الحكم وعدم مراعاة شروط احترام الكرامة الآدمية في ذلك، حيث من المفترض ألّا يُعدَم أي شخص إلا بالشنق فقط ودفنه مباشرةً، وبحضور أحد الشيوخ والنائب العام ووزير الداخلية.
وهي ليست المرة الأولى التي تنفذ الحكومة حكماً بالإعدام بشكل علني، فقبل نحو شهرين أُعدم المواطنان (ع.غ 49 عاماً) و(ح.خ 43 عاماً) في مقر الجوازات بغزة، بتهمة التخابر مع الاحتلال خلافاً لنص المادة 131 من قانون العقوبات الثوري الفلسطيني لعام 1979، وبحضور شخصيات حمساوية وازنة من المجلس التشريعي والوزارات.
في المقابل، يرى الحقوقي العامل في «الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان»، مصطفى إبراهيم لـ«الأخبار» إن جرائم القتل، أياً كانت مبرراتها، مدانة ويجب عدم التهاون في محاسبة مقترفيها، بشرط عدم الاحتكام إلى الحلول الأمنية فقط. ويضيف أن غزة تشهد حالياً غياباً للحد الأدنى من أسس المحاكمة العادلة وضمانات التقاضي، منتقداً مثول المدنيين أمام محاكمات عسكرية سريعة، خلافاً للقانون، وخاصةً تلك المرتبطة بالتخابر مع الاحتلال. ويعترض على تفوّق عدالة الشارع على عدالة القانون، واضطرار الحكومة إلى النزول عند رغبات بعض العائلات المجني عليها ذات التأثير العميق في الشارع الفلسطيني دون منح القضاء وقتاً كافياً لعلاج القضايا الجنائية بعيداً عن العواطف، الأمر الذي يهدر حقوق المتّهمين. واستحضر حالات قتل خارج إطار القضاء، وسنح الحكومة للشارع فرصةً ذهبية للتغوّل وزهق الروح بناءً على الانتقام والثأر، لا على أساس قانوني رادع، وذلك في نهاية العام الماضي حينما أُخرج ستة محكومين مدانين بالتخابر مع الاحتلال من السجون وقتلهم على يد الشارع الذي مثّل بجثثهم وجاب بها قطاع غزة عبر جرّهم على الدراجات النارية. وتحيي نية الحكومة إعدام المواطن (هـ.ع 28 عاماً)، من مدينة خان يونس بشكل علني قريباً دون تحديد موعدٍ بعينه، مخاوف منابر حقوق الإنسان حول العالم من المضي قدماً في تنفيذ أحكام إعدامٍ بنفس الآلية لأربعين سجيناً آخرين، وخاصةً في ظل عدم اكتراث الحكومة لنداءات المفوضية العليا للأمم المتحدة لحقوق الإنسان الداعية للتراجع عن تنفيذ أحكام الإعدام؛ وموقف الحكومة جليّ في هذا المجال، حيث لا عزاء لحقوق الإنسان حينما يرتبط الأمر بقواعد دينية مرتكزة على الشريعة. ويؤكد إبراهيم أن دولاً كثيرة اضطرت إلى إلغاء عقوبة الإعدام، بعد إثبات فشلها في تحقيق الردع، موضحاً أن السجن المؤبد أكثر نجاعةً من الإعدام، لكونه يشعِر الجاني بالموت في كل دقيقة لحجز الحرية عنه وعزله عن العالم الخارجي، على عكس الإعدام الذي يسلب حق الإنسان في الحياة ولا يقدّم أي فائدة لمن ينوي تنفيذ جريمةٍ هنا أو هناك. أما أهالي الضحايا، فيشدّون على أزر الحكومة لتشفي غليلهم؛ ساجد شراب ابن المجني عليه الصراف أمين شراب، الذي تعرض قبل 3 أشهر لطعن بأدوات حادة، أكد لـ«الأخبار» عدم قبول عائلته إلا بالقصاص وإعدام القاتل في أقرب فرصة ممكنة. وعبَّر عن دعمه لقرار النائب العام، داعياً الحكومة إلى التعجّل في تنفيذ أحكام الإعدام وعدم التباطؤ والمماطلة.