تونس - بعد فشل كل الوساطات التي سعت الى تقريب وجهات النظر بين المعارضة والسلطة، أعلنت جبهة الإنقاذ الوطني في تونس أنها سترابط في الشوارع بدءاً من اليوم (٢٤ آب) الى حين إسقاط حكومة حركة النهضة وحليفها حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، وذلك بعدما خرج حزب التكتل من أجل العمل والحريات من الترويكا وانضم الى دعوة حل الحكومة.
في هذا الوقت، أصدرت المنظمات الأربع الراعية للحوار الوطني منذ أكثر من شهر (الاتحاد العام التونسي للشغل، واتحاد الصناعة والتجارة، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والعمادة الوطنية للمحامين) أمس بياناً حمّلت فيه الأطراف السياسية مسؤولية ما سيحدث في تونس بعدما رفضت «النهضة» حل الحكومة وتمسكت ببدء الحوار قبل حل الحكومة، وهو المطلب الذي رفضته جبهة الإنقاذ كما رفضه رعاة الحوار الذين اعتبروا أن استقالة الحكومة وتفرغها لتصريف الأعمال هو الحل الوحيد لنزع فتيل الاحتجاج والاختناق السياسي الذي تعيشه البلاد منذ شهر.
وفي هذا السياق، التقى أمس الأمين العام لاتحاد الشغل حسين العباسي، للمرة الثانية في خلال ٢٤ ساعة زعيم «النهضة» من دون التوصل الى أي اتفاق.
كما التقى للمرة الثانية أيضاً رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر، وقد تكتم الطرفان على فحوى البقاء. ولوحظ أن بن جعفر غادر الاجتماع غاضباً.
ولا تزال تداعيات التشكيلات التي قام بها في وقت مفاجئ الرئيس المؤقت منصف المرزوقي، في المؤسسة العسكرية، تشغل الشارع والنخبة نظراً الى توقيتها المريب. إذ إنها تأتي في وقت يواجه فيه الجيش حرباً مع الإرهابيين في جبال جهة القصرين في الوسط الغربي.
المعارضة التي تمثلها الآن جبهة الإنقاذ اعتبرت أنها استنفدت كل الحلول وليست مستعدة لمواصلة حوار عقيم على حد تصريح زعيم الحزب الجمهوري احمد نجيب الشابي.
أما زعيم حزب نداء تونس الباجي قائد السبسي، وزعيم الجبهة الشعبية حمة الهمامي، فقد اعتبرا أنه لا حوار مع «النهضة» قبل استقالة الحكومة، وهو الشرط الوحيد للجلوس على مائدة المفاوضات.
كذلك أعلن النواب المنسحبون أنه لا عودة الى المجلس التأسيسي قبل استقالة الحكومة وتشكيل حكومة إنقاذ وطني.
وفق هذه التطورات، لم يبق أمام «النهضة» أي خيار. فالكل توحّد ضدها والأحزاب الصغيرة التي تساندها باسم «الشرعية» ليس لها أي وزن في الشارع، فلم يبق لها الآن مع حليفها المرزوقي وحزبه «المؤتمر» إلا مواجهة الشارع المنتفض بالعصا الغليظة. لكن هذه السياسة غير مضمونة للعواقب قد جرّبها الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، ولم تنقذه بل زادته عزلة، ما عجّل بمغادرته البلاد. وما يرجّح أن «النهضة» تفكّر في هذا الخيار، التعيينات الجديدة في الجيش والشرطة والحرس الى جانب ضغط أعضاء من كتلتها في المجلس التأسيسي لسحب الثقة من بن جعفر، بعدما علق أشغال المجلس وانحاز الى مبادرة الاتحاد العام.
وقد تكون «النهضة» اختارت سياسة المواجهة وذلك بلعب ورقة «الشرعية» الى الأخير، بتنصيب رئيس جديد للمجلس موالٍ لها وهو رئيس حركة «وفاء» عبد الرؤوف العيادي، لكن هذا الخيار لو تم سيُفاقم الأزمة السياسية وعزلة «النهضة» التي لن تستطيع تجاهل ضغوط الأطراف الإقليمية، وخصوصاً فرنسا وإيطاليا والجزائر. أما تعطل الحوار والوصول الى نقطة اللاعودة فيعني أن الساعات القليلة المقبلة ستحمل تطورات كبيرة في تونس.
واستفادت المعارضة من ماراثون الحوار الذي أظهر أن «النهضة» لا تبحث إلا عن تحصين موقعها في الحكم غير عابئة بتداعيات الأزمة السياسية.
وفي هذا المناخ المشحون الذي يسبق العاصفة، يبقى موقف المؤسسة العسكرية والأمنية محدداً، ولا سيما أن البلاد على أبواب العودة المدرسية والجامعية وعديد القطاعات قد تلجأ الى الإضرابات لشل الحكومة وخاصة القطاعات الحيوية التي يحظى فيها الاتحاد العام بحضور قوي، مثل الصحة والتعليم والمصارف والمطارات؛ فاتحاد الشغالين أعلن أنه لن يقف مكتوف الأيدي وهو يرى البلاد تنهار.
بدورها كذلك، طالبت رئيسة اتحاد الصناعة والتجارة، وداد البوشماوي، باستقالة الحكومة كشرط لبدء الحوار ونزع فتيل الاحتقان.
ويبدو أن «حرب» السلطة والمعارضة لن تكون سهلة، فالطرفان يملكان الجزء الأكبر من الحل الذي لن يكون في صالح «النهضة» في كل الحالات، فهل تنسحب «النهضة» وتميل الى الوفاق لتجنيب البلاد مخاطر العنف والانفجار؟
في هذه الأثناء، تتواصل فضائح اختراق حركة النهضة للجهاز الأمني، إذ كشفت هيئة الدفاع عن الشهيد شكري بلعيد أن قرصاً مضغوطاً يضم اعترافات الموقوفين في الاغتيال سُرِّب الى المجموعة الإرهابية لتعرف ماذا ستقول في حال اعتقالها حتى تكون الاعترافات متطابقة.
كذلك تم القبض على مجموعة من خمسة أشخاص كانوا ينوون القيام باغتيالات سياسية جديدة وذلك حسب مصدر رسمي
أمس.