تونس | من المُقرّر اليوم أن تحسم الأحزاب السياسية والجمعيات التي تشكل جبهة الإنقاذ الوطني في تونس موقفها من الاقتراحات الجديدة لحركة النهضة المهيمنة على الائتلاف الحاكم، والتي سينقلها الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي، الى أعضاء الجبهة في الاجتماع الذي سيحدد إلى حد كبير مستقبل الحراك السياسي والاجتماعي في البلاد.
ففي مقر أعرق اتحاد عمالي تونسي، يأتي هذا اللقاء اليوم بعد فشل «النهضة» في كسر شوكة جبهة الإنقاذ الوطني عندما سعت إلى التقرب من عدوها «اللدود» حزب نداء تونس، المُتّهم بـإعادة تأهيل النظام السابق إلى وقت قريب.
لقد سارع رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، بالسفر إلى العاصمة الفرنسية باريس للقاء زعيم حركة نداء تونس «عجوز وثعلب» السياسة التونسية رئيس الحكومة الأسبق الباجي قائد السبسي. لقاء سعى الى ترتيبه كل من رجل الأعمال الغامض رئيس حزب «الاتحاد الوطني الحر» سليم الرياحي، الذي اقنع الغنوشي (والرياحي بالمناسبة مشتبه في كيفية تحصيل ثروته وبعلاقته بالنظام الليبي السابق) ومدير قناة «نسمة» نبيل القروي الذي اقنع قائد السبسي.
وكانت «النهضة» تنوي من وراء هذا اللقاء كسر جبهة الإنقاذ بإنهاء التحالف بين «جبهة الاتحاد من أجل تونس» و«الجبهة الشعبية» ذات التوجه اليساري. لكن جبهة الإنقاذ خرجت من هذه المحاولة أكثر تماسكاً، إذ رفض قائد السبسي كل مقترحات الغنوشي.
في هذه الأثناء، أكدت مصادر قريبة من زعيم «نداء تونس» لـ«الأخبار»، أن حركة النهضة اقترحت على السبسي حكومة وحدة وطنية برئاسة علي العريض، الرئيس الحالي للحكومة، على أن تمنح أربع وزارات منها وزارة سيادة الى «نداء تونس» مع المحافظة على المجلس الوطني التأسيسي.
كما اقترحت عليه حكومة إنقاذ وطني مهمتها تنظيم الانتخابات بداية من ٢٣ تشرين المقبل بعد إنهاء الدستور.
أما الاقتراح الثالث فهو تولي السبسي رئاسة الجمهورية مع بقاء العريض في رئاسة الحكومة.
وعلمت «الأخبار» أن السبسي رفض أي تفاوض مع «النهضة» خارج جبهة الإنقاذ الوطني.
في غضون ذلك، أشاد زعيم الجبهة الشعبية حمة الهمامي، في مؤتمر صحافي عقده أمس، بمواقف السبسي، قائلاً «إنه رفض كل مقترحات «النهضة» التي أرادت من خلال تفاوضها معه إبعاد الجبهة الشعبية وشيطنتها».
في هذا الوقت يُطرح سؤال حول مصير التقارب بين «النهضة» و«نداء تونس»، على الرغم من تأكيدات قيادات من الأخيرة ومن الجبهة الشعبية لـ «الأخبار» بأن ضرب التحالف بينهما في إطار جبهة الإنقاذ الوطني لن يكون له أي تأثير، ولا نتيجة في الواقع.
ويؤكد المتابعون للشأن السياسي في تونس أنه لا مفر من تسوية سياسية تتقاسم بموجبها حركة النهضة السلطة مع «نداء تونس».
ومن خلال التسريبات التي حصلت عليها «الأخبار»، يبدو أن مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل ستكون هي العمود الفقري لخارطة الطريق مع بعض التعديلات، وبموجب هذه الخارطة ستواصل الحكومة الحالية عملها مع بقاء المجلس التأسيسي في ظل اتفاق مدعوم دولياً على أن ينتهي هذا المسار يوم ٢٣ تشرين الاول المقبل.
وبموجب هذا الاتفاق يتولى زعيم «نداء تونس» رئاسة الجمهورية لمدة أقصاها عام، تتم خلالها الانتخابات باعتماد الدستور الجديد ويتولى رئاسة الحكومة شخصية وطنية مستقلة ذات توجه اقتصادي مع تركيز على الملف الأمني.
بيد أنه لا شئ رسمياً يؤكد هذا التوجه، فيما تؤكد المؤشرات الأولى أن هذا التوجه هو الذي يحظى بقبول أكبر، خاصة أن شركاء تونس في الاتحاد الأوروبي والتونسيين انفسهم يتخوفون من مخاطر انفجار الأمن لو تم اعتماد السيناريو المصري.
وإذا كان هذا توجه الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية فإن القوى الشبابية، التي لم تغادر الشارع، لها رأي آخر، إذ إن إسقاط الحكومة والمجلس التأسيسي هو مسأة وقت لا أكثر في نظرها.
أما انهماك الشارع التونسي في المأزق السياسي فلم يشغله عن متابعة تطورات ملف اغتيال الشهيدين اليساري شكري بلعيد والناصري محمد البراهمي، فقد أكد أحد المتورطين في الاغتيالين عز الدين عبد اللاوي، انتماء المجموعة التي نفّذت الجريمتين لتنظيم «أنصار الشريعة» مع الاعتراف بتأدية قسم الطاعة والولاء لأمير التنظيم أبو عياض، مؤكدا أنهم يعملون على إعلان الإمارة الإسلامية في تونس، وانه كان وراء تخزين وتهريب كميات كبيرة من السلاح. واعترف بأن الأمينة العامة للحزب الجمهوري مية الجريبي، كانت الهدف الثالث للاغتيالات السياسية في البلاد.
وكان وزير الداخلية لطفي بن جدو، قد أعلن في وقت سابق أن انتماء بعض المتورطين في جريمتي الاغتيال إلى تنظيم أنصار الشريعة لا يعني اتهام التنظيم ككل بالمسؤولية عن الجريمتين.
هذه الاعترافات التي نشرتها الصحف اليومية الصادرة في تونس أمس، تزامنت مع تسريب أخبار عن حضور أبو عياض مساء أول من أمس حفل زفاف أحد أنصاره في ضاحية حي الزهور الشعبية قريباً من العاصمة تونس.
وفي سياق متصل، أعلن شقيق الشهيد بلعيد، عبد المجيد القيادي في «حزب الوطنيين الديموقراطيين الموحد»، أن حركة النهضة مورطة في اغتيال شقيقه، وأن المجموعة التي نفذت الجريمة حظيت بتغطية سياسية وأمنية من الحكومة التي تقودها «النهضة».
وذهب بعض الناشطين إلى التأكيد أن زعيم حركة النهضة التقى أبو عياض أكثر من مرة وأن «أنصار الشريعة» ليس إلا الجناح العسكري لحركة النهضة، وأنهما يلتقيان في هدف واحد وهو إقامة الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة مع اختلاف الأسلوب والمسار السياسي.