سعت تونس، أمس، إلى حصر تناول الهجوم «غير المسبوق» على مدينة بن قردان الواقعة قرب الحدود مع ليبيا ضمن الحدود التي لا تغفل فوضى انتشار المسلحين و«الجهاديين» على الجانب الآخر من الحدود وتأثر البلاد بها، مبتعدة بذلك عن مخاطر الوقوع في كمين الدعوات إلى تدخل عسكري، دولي، في ليبيا، وهو ما يبقي على موقفها الرافض لهذا الأمر.
وأعلنت الحكومة التونسية، أمس، أنها «ربحت معركة ضد الإرهاب»، غداة إحباط الهجوم، متعهدة بإجراء «تقويم شامل» حول إخلالات أمنية محتملة. وقال رئيس الحكومة، الحبيب الصيد، في مؤتمر صحافي، إنّ «نحو 50 شخصاً... أكثرهم توانسة» هاجموا بشكل «متزامن» الثكنة العسكرية ومديريتَي «الحرس الوطني (الدرك) والأمن الوطني» في بن قردان، بهدف «احتلال» هذه المنشآت الأمنية و«إحداث إمارة داعشية» في المدينة.
ولم يستبعد الصيد وجود «أجانب» بين المهاجمين، مضيفاً في الوقت نفسه أنه لم يتبين على الفور إن كان المهاجمون جاؤوا من ليبيا، أو أنهم ضمن خلايا نائمة موجودة في بن قردان. وأضاف للصحافيين أنّ «مخازن من الأسلحة اكتُشفَت في المدينة... منها حافلة كانت موجودة في منطقة العمليات جرى حجزها... كانت مدججة بالسلاح وفيها أسلحة، منها أسلحة متطورة ومهمة».
يرى محللون أن الهجمات تمثل امتداداً للفوضى التي تشهدها ليبيا

كذلك، قدّم السياسي التونسي القيادي في «الجبهة الشعبية»، زياد لخضر، خلال حديث له إلى «الأخبار»، قراءة للتطورات، قد يمكن وصفها «بالمحلية». وقال إنّ «تونس تخضع لهجمات هي في حقيقة الأمر مقدمة لحرب ترغب بعض القوى في خوضها ضد تونس»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّ الشعب التونسي يساند قواته الأمنية والعسكرية التي حققت «انتصاراً أول، حين لم يستطع (الإرهابيون) أن يفتكوا» بمدينة بن قردان. ورأى أنّ «الحرب ما زالت مستمرة، واليقظة والحذر واجبان».
من جهة أخرى، رفض القيادي المعارض أي حديث قد يستجد خلال الظروف الراهنة، يهدف إلى أن تغيّر تونس موقفها بخصوص تدخل عسكري دولي في ليبيا. وقال: «نحن لن نقبل بالتدخل»، مؤكداً أنّ ما تعيشه ليبيا راهناً ليس إلا نتيجة التدخل العسكري الذي حصل عام 2011. وقال إنّ جزءاً كبيراً من تلك القوى التي تريد التدخل في ليبيا هي التي تُسهم حالياً بصورة أو بأخرى بتوفير هذه الأجواء.
في غضون ذلك، رأى محللون أنّ الهجمات التي استهدفت بن قردان تمثّل امتداداً للفوضى التي تشهدها ليبيا، وتعكس ما تواجهه تونس من صعوبات في تأمين حدودها البرية الطويلة (نحو 500 كيلومتر) مع جارتها.
ورأى المحلل الرئيسي لشؤون تونس في «مجموعة الأزمات الدولية»، مايكل العياري، أن الهجمات تعكس «توسع منطقة الصراع المسلح الذي اقتصر حتى الآن على ليبيا»، معتبراً أن «جهاديين» ينتمون إلى تنظيم «داعش» يعتقدون أن بن قردان «يمكن أن تكون مركزاً استراتيجيا لمنطقة محررة، تشمل الجنوب الشرقي التونسي ومنطقة طرابلس»، العاصمة الليبية.
وفي السياق نفسه، ربط محللون بين سلسلة الهجمات الأخيرة التي عرفتها بن قردان والقصف الجوي الأميركي الذي استهدف في 19 شباط الماضي مقراً لـ«داعش» في صبراتة في غرب ليبيا (نحو 100 كلم عن الحدود). وكانت وزارة الدفاع الأميركية قد أعلنت أنّ الغارة حالت دون وقوع هجوم كان التنظيم يعدّ على الأرجح لتنفيذه في تونس.
وقال الباحث في مركز «كارنيغي»، حمزة المؤدب، إنه «بعد القصف الأميركي في صبراتة، قال عدد من الجهاديين المصابين إن (داعش) تريد الانتقام بشن هجمات في تونس، وتحدثت تقارير عن تحركات مشبوهة على الحدود». فيما لم يستبعد الصحافي الفرنسي المتخصص في الشبكات الجهادية، ديفيد طومسون، أن تكون هجمات بن قردان «عملاً انتقامياً لتونسيي صبراتة»، لكنه لم يستبعد أيضاً أن يكون مخططاً لها قبل ذلك، لأن تنفيذها يحتاج إلى «أسابيع أو أشهر من التحضير».
في هذا الوقت، نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» أمس، تقريراً يقول إنّ وزارة الدفاع الأميركية قدّمت إلى البيت الأبيض أكثر التقارير دقة، حتى الآن، «لمواجهة تهديد داعش المتنامي في ليبيا»، يتضمن الحديث فيه عن استهداف مراكز تدريب، ومراكز قيادة، ومستودعات ذخائر، وأهداف عسكرية أخرى.
وأوضح التقرير أنّ الضربات الجوية ستركز على ما بين 30 إلى 40 هدفاً للتنظيم في ليبيا، ما سيعطّل قدراته، ويقدّم دعماً للقوى المحلية المدعومة غربياً. لكنه أشار أيضاً إلى أنّ الأولوية الأميركية تركّز في الوقت الراهن على تقديم الدعم السياسي لتشكيل حكومة وحدة في البلاد.
(الأخبار، أ ف ب)