القاهرة ــ الأخبار مقارنة بيوم السبت، يمكن وصف يوم أمس بالهادئ نسبياً، مع تراجع وتيرة العنف وأعداد القتلى الذين قاربوا الألف، فضلاً عن آلاف الجرحى، منذ فض اعتصامات أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، في ميادين «رابعة العدوية» و«النهضة». تراجع العنف يمكن ردّه الى ارتباك جماعة «الإخوان المسلمين» التي أعلنت إلغاء مسيرات في القاهرة، ثم تراجعت عن القرار، وذلك عقب الضربة الموجعة التي تلقتها إثر إجبار أنصارها على الخروج من مسجد الفاتح، حيث اعتصموا طوال ساعات الليل والنهار، واشتبكوا مع القوات الأمنية قبل استسلامهم.
وإضافة الى آلاف القتلى والجرحى، بينهم أبناء قادة لهم، آخرهم ابن المرشد العام محمد بديع (عمار)، فقد كلّفت معركة «الإخوان» مع الإدارة الانتقالية، حتى الآن، اعتقال المئات، بينهم قادة، فضلاً عن تعريض جماعتهم لخطر الحظر، حيث ناقشت الحكومة، أمس، اقتراحاً بذلك. في وقت عقد فيه اجتماع قيادي للقوة الأمنية برئاسة القائد الأعلى للقوات المسلحة، عبد الفتاح السيسي، الذي أكد أنّ مصر تتسع للجميع، وشكر الدول الخليجية والأردن، باستثناء قطر، على دعمها.
رغم حجم التوتر والاشتباكات الدموية، فإن مفردات الحوار والمصالحة ونبذ العنف لم تسقط من تصريحات المسؤولين كافة، وحتى ممن بقي من «الإخوان» طليقاً.
وخرجت مسيرات خجولة للإخوان أمس، في إطار فعاليات أسبوع «رحيل الانقلاب»، رغم فرض حالة الطوارئ، وقرار منع التجوال بعد الساعة السادسة مساءً، والذي فرض على القاهرة، المدينة التي لا تنام، سكوناً في الليل.
وكان «التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب» قد دعا الى مسيرات في القاهرة، على أن تخرج من تسعة مساجد وتتجه الى مقر المحكمة الدستورية العليا في ضاحية المعادي وميدان روكسي، غير أنه عاد وأصدر بياناً ألغى فيه مسيرتين في محافظتي الجيزة والقاهرة لدواع أمنية، ثم عاد وتراجع في بيان لاحق.
وفي إطار ملاحقة أنصار «الإخوان»، اعتقلت السلطات محمد الظواهري، شقيق زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري. وقال مصدر أمني إن «قوات الأمن تمكنت من القبض على الظواهري في كمين بالجيزة».
وفي السياق، أعلنت مصادر أمنية اعتقال نحو 404 مناصرين للإخوان خلال اليومين الماضيين، بعد اعتقال أكثر من ألف شخص يوم الجمعة الماضي، ليرزح بذلك الآلاف من أنصار الجماعة في أقبية السجون، الى جانب بعض قادتهم. غير أنّ أحداثاً وقعت في أحد السجون لتزيد من توتر المشهد، حيث أُعلن مقتل أكثر من 38 شخصاً خلال اشتباكات بين القوات الأمنية ومسلّحين حاولوا تحرير أنصار المعزول من منطقة سجون أبو زعبل بمحافظة القليوبية.
بدوره، خاطب المتحدث باسم الجماعة أحمد عارف أنصارها قائلًا على صفحته الفيسبوكية إن هناك «معاني تربوية مهمة من المدرسة الشعبية الثورية لاستعادة الشرعية ورحيل الانقلاب الدموي». وأوضح أن أهم تلك المعاني هو أن «القضية واضحة وهي الحفاظ على أم الدنيا وأخت الزمان، إنها مصر». وحذّر أنصاره من «العنف فهو غاية الخائن منكم، وأنتم يا شعب مصر أذكى من أن يرسم لكم الانقلابيون القضبان على الأرض فتسيرون عليها، فمعارك العنف سخيفة وخاسرة، والجيش هو جيش العائلة المصرية لا جيش طوائف ولا أعراق ولا مذاهب».
على الجانب الحكومي، عقدت الحكومة الانتقالية برئاسة حازم الببلاوي اجتماعاً لمناقشة الأوضاع في مصر وسبل إنهاء المواجهة الدامية، كما بحثت اقتراحاً بحظر جماعة «الإخوان المسلمين». وكان الببلاوي قد أعلن أنه لن يكون هناك تصالح مع من تلطخت أياديهم بالدماء وهاجموا الدولة ومؤسساتها.
وقبل اجتماع الحكومة، قدّم نائب رئيس الوزراء زياد بهاء الدين اقتراحاً تصالحياً يدعو إلى إنهاء حال الطوارئ ومشاركة كل الأحزاب في العملية السياسية وضمانات باحترام حقوق الإنسان، بما في ذلك حق التظاهر.
وفي وقت سابق، عُقد اجتماع أمني رفيع بقيادة السيسي وحضور وزير الداخلية محمد ابراهيم وعدد من قادة وضباط القوات المسلحة وهيئة الشرطة. وأكّد السيسي أن «من يتصور أن العنف سيركع الدولة والمصريين يجب أن يراجع نفسه، وأننا لن نسكت أمام تدمير البلاد والعباد وحرق الوطن وترويع الآمنين ونقل صورة خاطئة للإعلام الغربي بوجود اقتتال داخل الشارع». وقال إنه «لم يتم التنسيق أو التعاون خارجياً مع أي دولة في الشأن المصري»، وإن «المصلحة العليا للوطن تقتضي وضع مصلحة مصر وأمنها القومي فوق كل اعتبار»، غير أنه خص كلاً من «السعودية والإمارات والكويت والأردن والبحرين» لشكرها على ما قدموه للشعب المصري، وقال «لن يُنسى لهم ذلك». وعن رسالته لأنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، أشار الى أنها تقول: «مصر تتسع للجميع».
وكان المتحدث باسم الرئاسة مصطفى حجازي قد أعلن في مؤتمر صحافي أن «كل من في جماعة الإخوان المسلمين أو خارج الجماعة يرغب المشاركة في المسيرة المصرية السلمية نحو المستقبل مرحّب به»، قبل أن يستدرك «نرحب بمشاركة كل الأحزاب والفصائل طالما أنها لم تشترك في إشاعة العنف أو أي أعمال إرهابية».
بدوره، أكد وزير الخارجية المصري نبيل فهمي، أن الحكومة المصرية المؤقتة لم تتخل عن مسار الديموقراطية، وقال «أطمئن أصدقاءنا الى أننا نطبق خريطة الطريق للوصول الى الديموقراطية». وأكد أن المصريين «لن يقبلوا أن تظل البلاد خاضعة لحالة الطوارئ المفروضة حالياً لمدة طويلة». وأشار الى أن السلطات ترحب بمشاركة أنصار مرسي في حوار حول مستقبل مصر السياسي «فور استعادة الهدوء والنظام».
في غضون ذلك، طالب شيخ الأزهر الإمام الأكبر أحمد الطيب جماعة الإخوان بالمسارعة إلى حماية مصر، مؤكداً أن «الشرعية لا تكتسب بدماء تسيل». وقال: «إلى جماعة الإخوان، إن مشاهد العنف لن تكسب استحقاقاً لأحد، والشرعية لا تكتسب بدماء تسيل، ولا بفوضى تنتشر بين العباد، ولا تزال هناك فرصة وأمل متسع لكثيرين منكم ممن لم يثبت تحريضه على العنف».