تونس | في وقت انتظر فيه الفاعلون السياسيون من أحزاب وجمعيات ومنظمات وطنية مبادرة زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي بإعلان قبول الحوار الجدي والجاد حول استحقاقات المرحلة التي تعيشها تونس، رفض الأخير كل المبادرات التي قدمتها المعارضة، سواء جبهة الإنقاذ الوطني أو الاتحاد العام التونسي للشغل والمنظمات التي تشاركه في رعاية الحوار الوطني (اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، والعمادة الوطنية للمحامين والرابطة التونسية لحقوق الإنسان).
وأعلن الغنوشي، بنبرة استعلاء، رفض كل المبادرات وتمسك حركته بالخطوط الحمراء التي أعلنتها سابقاً، وهي رفض حل الحكومة ورفض التخلي عن علي العريض كرئيس للحكومة، ورفض حل المجلس الوطني التأسيسي.
ورأى الزعيم الاسلامي أن الربيع العربي يتعرض لـ«مؤامرة تستهدف تونس الشمعة الوحيدة الباقية»، بعد «الانقلاب» على «الشرعية» في مصر.
زعيم حركة النهضة، الحاكم الفعلي للبلاد كما تؤكد كل المؤشرات، يبدو أنه أراد من خلال قراراته التي أعلنها في مؤتمر صحافي أن يضرب أكثر من عصفور بحجر واحد. فهو يريد ربح الوقت لامتصاص الغضب الشعبي المتنامي بعد اغتيال القيادي الناصري عضو المجلس التأسيسي محمد البراهمي، كما أراد أن يشقّ صف المعارضة بمحاولة استمالة حزب نداء تونس، الى كسر تحالفه مع الجبهة الشعبية.
في غضون ذلك، أقرّت حركة النهضة والمعارضة بأنهما أجرتا مباحثات سرية مباشرة في 15 آب في العاصمة الفرنسية باريس، ضمّت رئيس الوزراء السابق الباجي قائد السبسي، وزعيم «النهضة» الذي وصف اللقاء على «فايسبوك» بأنه كان «إيجابياً وصريحاً».
وأثار هذا اللقاء الكثير من الجدل بين أنصار الجبهة ونداء تونس.
وبعد يوم من مؤتمره الصحافي، تكفّل أئمة المساجد بإتمام المهمة، إذ خُصِّصت خطب الجمعة في كامل البلاد للدعاء على السيسي وأداء صلاة الغائب على قتلى الإخوان.
وخرجت تظاهرات من المساجد في غالبية الجهات للدفاع عن «الشرعية» والتنديد بوزير الدفاع المصري الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزعيم حركة «نداء تونس» قائد السبسي.
مواقف الغنوشي زادت من الاحتقان في الشارع، إذ اعتبرت أحزاب المعارضة هذه التصريحات غير مسؤولة وتكشف عن جهل أو تجاهل لوضع البلاد الاقتصادي المهدد بالإفلاس بعد أن تم مرة أخرى خفض الترقيم السيادي لتونس بما يجعلها بلداً غير صالح للاستثمار. وأكد خبراء الاقتصاد أنه إذا استمر الوضع السياسي على ما هو عليه فسيكون مصير تونس الإفلاس الحتمي مع نهاية السنة. هذا المعطى الاقتصادي وضعته منظمة رجال المال والأعمال المعروفة باتحاد الصناعة والتجارة في اعتبارها، وكذلك الاتحاد العام، إذ أعلنا في لقاء مشترك أنه لا مجال للتخلي عن مطلب حل الحكومة وتشكيل حكومة كفاءات تكون أولوياتها الأمن والاقتصاد والانتخابات.
أما جبهة الإنقاذ الوطني والنواب المنسحبون من المجلس التأسيسي فقد أعلنوا أن التعبئة الشعبية ستبدأ يوم ٢٤ آب الجاري، وأن سقوط الحكومة سيكون يوم ٣١ آب ما استمرت «النهضة» في التصلب والعناد.
في هذا الوقت، يبحث رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر عن أرضية للتوافق بين الأفرقاء السياسيين، لكن تعنّت «النهضة» جعل لقاءاته مع أطراف المشهد السياسي من دون جدوى، فاضطر الى تأجيل استئناف أشغال المجلس.
ولم يستبعد بعض قادة حزبه (التكتل من أجل العمل والحريات، الذي فقد أغلب أنصاره بسبب تحالفه مع حركة النهضة) إمكان الانسحاب من الحكومة كحل أخير لوضع حركة النهضة أمام الأمر الواقع.
ويبدو أن تصلب حركة النهضة ورفضها اقتراحات المعارضة والمنظمات الاجتماعية وتشبثها بـ«الشرعية» ذكّرت التونسيين الغارقين في أزمة اقتصادية وأمنية غير مسبوقة بتصريحات الرئيس المصري المعزول محمد مرسي.
فحركة النهضة لا تزال مصرّة على أنها لم تفشل في إدارة البلاد، وأنها تدفع ثمن «وفائها للثورة»، وأنها تواجه تحالف قوى الثورة المضادة من «إعلام العار وأزلام النظام السابق واليسار الفاشل»، وأن هذه القوى، حسب تصريحات قادة «النهضة»، «من وزراء وقيادات مدعومة من الخارج تعمل من أجل إعادة السيناريو المصري في تونس للقضاء على الثورة». مضى نحو شهر ولا تزال الأزمة التونسية تراوح مكانها ولا أمل في وفاق قريب، والمواطن يغرق في آلامه وأحلام الثورة التي صدقها وهتف من أجلها من دون أن يجني منها شيئاً.