كيف يمكن لفلسطيني المشاركة في تفخيخ وتفجير سيارة بئر العبد؟ كيف يستطيع لاجئ ابن لاجئ ولاجئة التخطيط لقتل ابناء المنطقة التي يعيش فيها أهله؟ ألم يخطر في باله للحظة، أنه قد يصادف مرور أخيه لحظة التفجير؟ ألم يخطر في باله ان أحد أصدقائه قد يكون في تلك اللحظة بالذات في مكان التفجير فيصبح في خبر كان؟ بالتأكيد هذا العقل الدموي لا يفكر في كل ذلك، ولا يهتم لعدد الشهداء الذين قد يسقطون. فلسطيني من هذه الطينة ليس فلسطينياً، ولا يمكنه ان يكون فلسطينياً. اما بطاقة اللاجئ التي يحملها فهي لا تمت الى فلسطين واللجوء بشيء. هذا النوع من الكائنات لا تعنيه ارض اجداده. قد يقول أحدهم هذه نرجسية فلسطينية، فأنتم في النهاية بشر. ربما هذا صحيح ولكننا لسنا بشرا عاديين ولا يمكن ان نكون بشرا عاديين . نحن اصحاب قضية. وقضيتنا من أحق القضايا التي لا يمكن الشك بأحقيتها. لذلك لا يمكن لصاحب قضية ان يتخلى عنها بسهولة وان ينحدر به الامر الى مستوى طائفي بل مذهبي مقيت. لا يمكن لصاحب قضية بمثل هذا الحجم، التلهي بفحص ايمان الآخرين ومعاقبتهم بتفجير نفسه بهم.. ان يهوي الى هذا الابتذال.
ألم يكن بإمكان من خطط وفجّر سيارة بئر العبد والذي ينتمي الى الشبكة التكفيرية نفسها التي خططت وفجرت سيارة الرويس ان يجهد نفسه بالتفكير في كيفية العمل ضد العدو الاسرائيلي؟ ألم يكن بإمكانه التخطيط لشيء ضد العدو الذي جعله لاجئاً في اوطان الآخرين؟. بالطبع انسان من هذا النوع لا يهتم لكل ذلك لانه اسقط عن نفسه الهوية الفلسطينية.
في مخيم برج البراجنة ازقة المخيم حزينة على ضحايا تفجير الرويس. هنا في برج البراجنة القلب واحد، والالم واحد، والخوف واحد، وبالتأكيد الموت واحد. لقد كبرنا في هذه المنطقة، وسنموت فيها وندفن فيها وسيبقى الحال هكذا الى حين تحرير فلسطين. هنا في الضاحية عانينا ما عانى ابناؤها من اهمال الدولة لنا ولهم. قصفنا معاً خلال حرب تموز. الصواريخ الاسرائيلية التي سقطت عليها لم تفرق بين فلسطيني ولبناني. ألم يسمع المجرم باسم الشهيد الفلسطيني الذي سقط خلال حرب تموز في حارة حريك؟ هنا في مخيم برج البراجنة، اجتاح الصمت كل شيء بعد التفجير. تكلمت العيون التائهة أكثر من وجوه اصحابها. هنا في المخيم شعر الجميع ان جزءا منه قتل غدرا وخيانة.
في برج البراجنة، اتهم البعض الفلسطينيين بالتخطيط للعملية. اتهموهم بان السيارة فخخت في مخيمهم. لكن لا يمكن لشخص عاق لامه فلسطين ان يجر الويل الى مخيم بأكمله فقط لانه رأى في الاخر كافراً. في هذه اللحظة الجسد واحد. ولا يمكن لفلسطيني بار أن يضرب ابناء المقاومة الذين قاتلوا عدونا في اقدس 33 يوماً عرفها التاريخ. لا يمكن لفلسطيني حق ان يؤذي شعب مقاومة لجأ بعضهم الى مخيماتنا خلال حرب تموز. هنا لا توجد نحن وانتم. في لحظة الالم نحن انتم. اما اصعب لحظات الالم، والتي يبكي نصفك فيها على نصفك الاخر، فهو عندما يكون نصفك لبنانيا والاخر فلسطينيا كما هي حالي. في المخيم ينظرون اليك على انك لبناني. يحدثونك عن العنصرية اللبنانية ضدهم. تشرح لهم ان العنصري لا دين ولا هوية له. خارج المخيم انت فلسطيني. ينظرون اليك على انك ضيف وقح تقتل صاحب البيت. تشرح لهم ايضاً ان القاتل لا دين ولا هوية له.
بعد تفجير رويس بكى نصفي على نصفي. بعد متفجرة الرويس تمنى نصفي اللبناني ان لا يتهم نصفي الفلسطيني بما جرى. اما حين اتهم فقد وجدت نفسي اقول لنفسي: ابدا.. ليسوا فلسطينيين. ادركت بعد تفجير الرويس ان نصفيّ لا يمكن فصلهما، وان الاول يكمل الثاني. اما الجزع الاكبر؟ فكان في ان يجازى نصفي اللبناني نصفي الفلسطيني بسبب هوية القاتل. اسئلة افتراضية كثيرة تجتاحك. بالتأكيد من وضع متفجرة الرويس ارادنا ان نفكر في هذه الطريقة. بالتأكيد من وضع متفجرة الرويس اراد قتلنا اولاً وأراد قتل المنطق والعقل داخلنا. من وضع متفجرة الرويس اراد تحويلنا الى الات قتل جاهلة. حتى الان لم ينجح في ذلك. وفي المستقبل لن ينجح في ذلك.
فيما مضى وعد سيد المقاومة السيد حسن نصرالله الفلسطينيين خلال انتفاضة الاقصى بقوله «نحن معكم ولن نترككم، ويمكنكم في الشدائد أن تراهنوا علينا». وامس في خطابه ما قبل الأخير قال «نعم نقولها بوضوح.. نحن شيعة علي بن ابي طالب في العالم مع فلسطين والفلسطينيين»، ربما كان «الفلسطيني المفخخ» في المجموعة المتهمة بتفجير الرويس، هو مجرد «رد» على هذه العبارة.
لكنه يا سيد: ليس فلسطينيا ولو حمل الهوية.
اليوم نقول لك، نحن ابناء فلسطين الابرار «نحن معكم ولن نترككم، ويمكنم في الشدائد ان تراهنوا علينا». وكفى.