تونس | لم ينجح تصريح رئيس الحكومة علي العريض أمس، في إقناع المعارضة باستعداد حركة النهضة للاستجابة الى مطالب القوى الاجتماعية والنقابية، بعد فشل اللقاء بين زعيم الحركة راشد الغنوشي والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي، والذي تواصل أربع ساعات أول من أمس ولم يصل إلى أي نتيجة. فقد أعلن العريض في تصريحه أمس عن تقدم المفاوضات بشأن الوصول إلى وفاق في إقناع الخصوم السياسيين وجزء كبير من الشارع المنتفض ضد حكم الإسلاميين، لكن العباسي كان واضحاً في تقييمه للقاء بقوله إن «هناك صعوبات» و«ان التقدم بطيء جداً» و«ان الحوار في بدايته ولا يزال يحتاج إلى وقت». أما الغنوشي فحاول إيهام الشارع والتونسيين بأن هناك اتفاقاً على «الوفاق». ويعود الاختلاف في تقييم اللقاء أساساً إلى عدم استعداد «النهضة» للإقرار بفشلها، فهي خلافاً لكل الطيف السياسي باستثناء حزب المؤتمر حليفها الصغير (عددياً وتأثيراً في الشارع) تعتبر أن حكومتها لم تفشل وأنها تتعرض إلى «مؤامرة» و«انقلاب» يقوده «إعلام العار.. واليسار الجريح في الانتخابات» و«أزلام النظام السابق».
لهذا السبب والتباين في الآراء، قلّل متابعون للشأن التونسي من إمكانية الوصول إلى توافقات بالنظر إلى البون الشاسع بين مطالب المعارضة وشروط النهضة. وغداة فشل اللقاء بين اتحاد الشغل وحركة النهضة، دعا الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، المجلس التأسيسي (البرلمان) الى استئناف عمله مقترحاً تشكيل حكومة وحدة وطنية لإخراج البلاد من أزمة سياسية حادة.
وقال المرزوقي في خطاب ألقاه خلال حفل بمناسبة «عيد المرأة» التونسية، إن على المجلس التأسيسي المكلف صياغة دستور جديد لتونس «أن يرجع الى عمله... ويعطي دستور البلاد، ويحدد لنا موعد الانتخابات (حتى) تتضح خارطة الطريق».
اما جبهة الإنقاذ الوطني فقد أعلنت عن توصلها الى تركيبة حكومة الإنقاذ المقترحة ولجنة الخبراء الدستوريين لإصلاح مشروع الدستور وخارطة الطريق، وذلك بعد استنفاد كل محاولات الوفاق مع «النهضة» وحليفها حزب المؤتمر من أجل الجمهورية. وجاء في بيانها «إنّ جبهة الانقاذ الوطني، إذ تحيّي، في ذكرى العيد الوطني للمرأة، نضالات نساء تونس وجماهير شعبنا وقوات جيشنا الوطني وأمننا الداخلي وخاصة النساء منهم وعائلات كل الشهداء، فإنها تعلن: أولاً، تمسّكها بضرورة حلّ المجلس الوطني التأسيسي والسلط المنبثقة عنه، حكومة ورئاسة، وتحمّل الائتلاف الحاكم مسؤولية المماطلة في ذلك وتأزيم الوضع. ثانياً، الشروع في المشاورات حول إحداث الهيئة الوطنية العليا للإنقاذ وحكومة الانقاذ الوطني المستقلة من 15 عضواً برئاسة شخصية وطنية مستقلة سيعلن عنها في الوقت المناسب. ثالثاً، انطلاق حملة «إرحل» ابتداء من يوم غد الأربعاء 14 آب لعزل المعتمدين والولاة ورؤساء المنشآت العمومية وفي الإدارة المركزية الذين تمّ تنصيبهم على أساس الولاء الحزبي. رابعاً، التّعبئة العامّة لأسبوع الرّحيل ابتداء من يوم 24 آب 2013».
فبداية من الأسبوع المقبل ستبدأ جبهة الإنقاذ وحلفاؤها من حركة تمرد وائتلاف حرائر تونس وغيرها في تحركات في الجهات يتوقع ان تشل المرفق العمومي. تحركات يمكن ان تضع البلاد أمام خيارات أخرى لم تتوقعها «النهضة» من بينها تدخل المؤسسة العسكرية والأمنية، المشغولة في الحرب على الإرهاب على الحدود مع الجزائر، إذ لا يمكن ان يتركا الدولة تنهار خاصة بعد استفحال الأزمة المالية التي تهدد البلاد بالإفلاس والتحدي الأمني سواء داخل البلاد أو على حدود مع الجارتين ليبيا والجزائر. فصحيح انه ليس من تقاليد الجيش التونسي التدخل في السياسة منذ تأسيسه، لكن ماذا سيكون موقفه عندما تستحيل إمكانية التوافق إذا تمسكت المعارضة بإعلان حكومة إنقاذ من طرف واحد وتمسكت النهضة بحكومة «الشرعية» وتعليق أعمال المجلس الوطني التأسيسي؟