سيناء | لم يكد يخطو خطوة عائداً من المسجد إلى بيته حتى تلقفته أربع رصاصات أطلقها ملثمون وفروا هاربين بسيارتهم الـ«فيرنا»، تلك التي تتشابه مع أغلب السيارات المستخدمة في العمليات المسلحة بشمال سيناء في الفترة الماضية. نقله ذووه إلى مستشفى العريش العام في محاولة يائسة لإنقاذه، غير أن قدره قد وافاه، ليترك وراءه مدينة كانت البارحة ساخنة فأضحت بمقتله ملتهبة. عبد الحميد سلمي، 59 سنة، أحد وجهاء عائلة الفواخرية، كبرى عائلات العريش، وعضو مجلس الشورى في عهد مبارك عن الحزب الوطني المنحل. هو قائد لمسيرة خرجت في العريش يوم الجمعة 26 تموز الماضي للمشاركة في ما سمّي «تفويضاً» لوزير الدفاع، الفريق أول عبد الفتاح السيسي، لمواجهة «العنف والإرهاب المحتمل». معروف عنه ولاؤه للأجهزة الأمنية والاستخبارية، ودعمه المطلق للجيش وخريطة طريقه. وهو رجل أعمال له علاقات تجارية ومصالح متشابكة ونافذة، وصاحب رخصة صناعة الأسمنت الوحيدة التي تخرج عن احتكار المصنعيْن المملوكين للجيش ولرجل الأعمال المقرب من أسرة مبارك، حسن راتب.
فور إعلان وفاته، توجه عشرات من أفراد عائلته الغاضبين إلى اعتصام مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي أمام جامع النصر بشارع «26 يوليو» وسط المدينة، فحطموا منصة الاعتصام من دون أن يحتكوا بالمعتصمين. وعن تفسير ردّ الفعل هذا، يقول بعض أفراد عائلة الفواخرية إن سلمي كان قد تلقى تهديداً منذ أسبوع من قبل جماعات تكفيرية بسبب دعمه للجيش. لذا، ترى نسبة من سكان العريش مقتل سلمي كاغتيال سياسي وتصفية انتقامية قام بها مؤيدون مسلحون لمحمد مرسي، أغلب الظن أنهم من الجماعات التكفيرية التي تنتشر في الشيوخ زويد ورفح. في حين أن رأياً آخر يتجه للتفسير القبلي، حيث تشتد الخلافات بين عائلة الفواخرية في العريش وقبيلة السواركة. فلا يستبعد وجود شبهة نزاع قديم غير سياسي، حيث كان سلمي على عداء مع أطراف كثيرة بسبب خلافات تجارية واتهامات مالية. وهذا التفسير يستند إلى واقعة اختطاف أخيه منذ سنتين، حيث جرى التفاوض معه على دية بقيمة مليونَي جنيه مصري. ولا تخلو تفسيرات أهل العريش ونشطائها، الذين آثروا عدم الإفصاح عن أسمائهم، من اتهامات صريحة للأجهزة الاستخبارية والأمنية بافتعال الأزمة والوقيعة بين أهل سيناء، وخصوصاً بعد مشاهدة اللواء شوقي رشوان، الرئيس السابق لجهاز الخدمة السرية بالمخابرات العسكرية مدة 10 سنوات، في أحد مطاعم المدينة على غير عادته، حيث لا يزور سيناء إلا قليلاً رغم تعيينه في منصب رئيس الجهاز الوطني لتنمية سيناء. لهذا، يتساءل أهل العريش عن ارتباط وجوده غير الاعتيادي بالأزمات والكوارث المتتالية التي تنهال فوق رؤوس أهل شمال سيناء.
أما عن المبالغة في تبني نظرية المؤامرة، فيدافع عنها المقتنعون بها مستشهدين بقصف مديرية أمن شمال سيناء بقذيفة صاروخية منذ أسبوعين واتهام الجماعات «الإرهابية» بذلك، ثم تبين لاحقاً أن الصاروخ الذي أصاب مبنى المديرية من نوع «هيل فاير» الذي لا يطلق إلا من طائرات عسكرية، منها «الأباتشي»، أو منصة فوق زوارق بحرية أو مركبات عسكرية يستحيل امتلاكها إلا في الجيش.
وفي زيارة ميدانية لـ«الأخبار» جابت مدن العريش والشيخ زويد ورفح، وقريتي الجورة والمهدية، لوحظ أن هناك إجماعاً بين المواطنين قد اتفق على أنه لأول مرة في تاريخ سيناء يجهل السكان المحليون هوية مطلقي النيران وسببه. لكن الجديد في مقتل سلمي ليس الغموض وتعدد الاحتمالات، بل الخروج بالاشتباكات من دائرة العنف المتبادل بين القوات النظامية والميليشيا المسلحة إلى مساحة أخطر بكثير، وأقرب لحرب أهلية حقيقية تغذيها خلافات قبلية وانقسام سياسي.