اليوم عيد الفطر، انتظره الرقيّون بفارغ الصبر. يحاولون من خلاله صناعة الفرح. الأسواق عجّت بميسوري الحال، أما الفقراء فقد التزموا بيوتهم ولسان حالهم يردّد أبيات المتنبي: عيدٌ بأيّة حال عدت يا عيد!
يُشيح الآباء بنظرهم عن وجوه أطفالهم التي ترقب الفرح المؤجل. الأسواق مكتظة بالباعة والمارة، شارع القنيطرة هو الوجهة الأولى للمواطنين أثناء النهار، بينما يخطف المشهد ليلاً شارع 23 شباط. وفي شارعي الأماسي والمجمع الحكومي، يبحث الناس عن فسحة للترويح عن أنفسهم، حيث انتشرت «البسطات» والباعة الجوالون الذين يبيعون «غزل البنات» وشراب «السوس» و«التمر الهندي».
لا يستطيع الأهالي، في عيد الفطر، إسكات أطفالهم كما في عيد الأضحى، بإلباسهم ما ارتدوه في العيد السابق. يحتاج عيد الفطر إلى ملابس جديدة دائماً، هكذا يفكّر الرقيّون. لكن الأسعار تضاعفت كثيراً.
يقول المواطن الرقّي، علي نعمة، لـ«الأخبار»، «فرحتنا منقوصة، تطغى مشاعر الحزن علينا، لا نستطيع تلبية احتياجات أطفالنا. ارتفاع الأسعار وقلة الحيلة، والراتب يكاد لا يكفي لتأمين الخبز وبعض الخضر، نحن منهكون، ولا سبيل يُفضي إلى حياة كريمة». ويضيف، «لا يُمكننا أن نشعر بالفرح، حتى الأطفال يشعرون بغصّة، المدينة كئيبة حزينة. كل شيء حولنا يبث الحزن». يتحدث علي ويذكر صديقه الذي اختفى منذ أيام، ثم وُجد مقتولاً على ضفاف نهر الفرات. ويتابع «نهر الفرات يقذف إلينا في كل يوم جثة جديدة لشخص عرفناه أو سمعنا عنه أو رأيناه، وقد يكون أحدنا في لحظة ما هو المُلقى على ضفاف النهر جثة هامدة مشوهة مكبلة اليدين مع بضع رصاصات في الجسد».
وفي حضرة أموات اليوم، زيارة مقبرة تل البيعة هي الطقس الأول والأهم من طقوس العيد في مدينة الرقة. الزيارة مستحيلة هذا العيد، هي «مُحرمة شرعاً» هذا العام، عدا عن كونها ساحة معركة منذ أشهر، فهي تقع في الجهة الشرقية من مقر «الفرقة 17» التي تحاصرها كتائب معارضة عدة. تصل المؤن إلى المقاتلين المحاصرين عبر مروحيات تلقي المظلات وتعود إلى مرابضها.
كذلك، عزف معظم الأهالي عن شراء الحلويات والسكاكر، ولم تتمكن النسوة في الرقة من صنع حلوى العيد المنزلية «الكليجة» و«المعمول» لارتفاع الأسعار، وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة.
ما يميز عيد الفطر في الرقة هذا العام أنّ الأطفال يحملون مسدسات حقيقية ورصاصاً حياً، ومعها قنابل يدوية، وبنادق آلية، إذ لم تجد المفرقعات لها سوقاً رائجاً هذا العيد، فكل شيء حقيقي حتى الموت. ولعبة «الشرطة والحرامية» هي حقيقة يتابعها الأطفال عن كثب.
الرقيّون تابعوا الدراما السورية هذ الموسم، إلا أنّها لم تشدّهم كما في المواسم السابقة، فما يحدث في مدينتهم أفظع، فمثلاً مهندس الرقة الأول عبد العظيم العجيلي أفرج عنه بعد دفع فدية للخاطفين، وقد قضى أسابيع في المعتقل.
واختطفت الناشطة المدنية نور العجاجي، وهي طالبة في كلية الهندسة المعمارية، من قبل إحدى الجماعات المسلحة، ويُفاوض أهلها الآن على الفدية، ولا يزال مصيرها مجهولاً. كذلك اختطف، في وقت سابق، الناشط إبراهيم الغازي، وبعض الناشطين الإعلاميين.
ولم تمضِ أيام على اختطاف المواطن علي الإبراهيم من أمام منزله، ومن ثم قتله وإلقاء جثته على شاطئ نهر الفرات، حتى عثر في المكان نفسه على جثة المواطن حسن الحاج إبراهيم ملقاة في النهر، مع تكبيل يديه.
إلى الشمال، حيث تحتدم المعارك بين مقاتلي «جبهة النصرة» و«دولة العراق والشام الإسلامية» و«حركة أحرار الشام الإسلامية» من جهة، والمقاتلين الأكراد من جهة أخرى، صادرت كتائب المعارضة الإسلامية منازل وأملاكاً لبعض الأكراد البارزين في مدينة الرقة، ومنهم الأخوان محمد وشكري بوزان.