الرباط | اضطر القصر الملكي في المغرب إلى إصدار ثلاثة بيانات متتالية بهدف احتواء الغضب الشعبي الذي نجم عن اتخاذ قرار بالعفو عن مغتصب الأطفال الإسباني دانيال كالفان، بعدما وضعت هذه الواقعة الملك لأول مرة في التاريخ في مواجهة مباشرة مع الشارع، أجبر خلالها على التراجع عن قرار سابق اتخذه. فبعد احتجاجات صاخبة على شمول كالفان بالعفو الملكي، أعطى الملك تعليماته باتخاذ الإجراءات اللازمة لإقالة المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، حفيظ بنهاشم. وهذا الرجل من الأسماء التي ذاع صيتها خلال فترة تعذيب المعارضين السياسيين في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، في مرحلة سوداء من تاريخ المغرب عرفت بـ«سنوات الرصاص». فبعدما أعلن محمد السادس عدم علمه بطبيعة الجرائم التي ارتكبها كالفان، عاد ليعلن في اليوم التالي قراره إلغاء هذا العفو بشكل استثنائي، قبل أن يعلن الديوان الملكي في بيانه رقم « 3» أول من أمس، أن نتائج التحقيق قد أفضت إلى التأكد من أن الخلل قد حدث على مستوى المندوبية السامية للسجون وأنها تتحمل كامل المسؤولية، لأنها زودت الديوان الملكي بمعلومات غير دقيقة عن الحالة الجنائية للمعني بالأمر. قرار ينفي المسؤولية عن وزير العدل مصطفى الرميد. في المقابل، علّق بنهاشم على قرار إعفائه من منصبه، قائلاً إن «بلاغ الديوان الملكي واضح في هذا الإطار، فالإدارة (السجون) قدمت معلومات خاطئة عن الإسباني دانيال للديوان الملكي... الإدارة هي من أخطأ وليس أنا، وعلى كل حال، أنا أتحمل مسؤوليتي. إن المعلومات التي قدمت عن دانيال، وخصوصاً التهمة والحكم، هي لمعتقل إسباني آخر، وجاء الخطأ بالنظر إلى التقارب في الأسماء». في المقابل، أعلنت السلطات الإسبانية أنه بناءً على القرار المغربي بإلغاء العفو ومذكرة البحث الدولية التي استصدرتها الرباط، فقد جرى اعتقال كالفان في منطقة مورسيا في جنوب إسبانيا. وذكرت مصادر قضائية إسبانية أن مغتصب الأطفال أحيل على قاضي المحكمة الوطنية، وهي أعلى محكمة جنائية في إسبانيا.
وبدأ وزير العدل المغربي منذ يوم الاثنين اتصالات مع نظيره الإسباني حول تنفيذ قرار سحب العفو في أقرب الآجال، كما حل مسؤولان قضائيان مغربيان أمس في العاصمة الإسبانية مدريد، لبحث كيفية معالجة الملف.
وتوقع السفير الإسباني لدى المغرب ألبرتو نافارو، أن يقضي كالفان ما تبقى من عقوبته السجنية في إسبانيا من دون تسليمه إلى المغرب.
في الوقت نفسه، لا يزال عدد من ملابسات الفضيحة التي هزت الرأي العام المغربي يتكشف، إذ قالت مصادر حكومية إسبانية إن مدريد قدّمت للمغرب لائحتين بأسماء محكومين في السجون المغربية؛ الأولى تشمل طلب العفو عن 18 سجيناً، والأخرى تطلب نقل 33 آخرين إلى إسبانيا لإتمام فترة عقوبتهم، ومن بينهم كالفان.
غير أن المغرب خلط بين اللائحتين وأعلن شمول الجميع بالعفو الملكي.
ولمحت مصادر صحافية مغربية إلى أن تصفية حسابات بين محيط الملك والحكومة قد تكون وراء حدوث هذا الخطأ. ونقلت المصادر نفسها أن الملك الإسباني خوان كارلوس، التمس عند زيارته للمغرب من رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، ترحيل سجين إسباني يعاني من السرطان لإكمال عقوبته في إسبانيا. هذا الطلب حوّله بنكيران إلى الملك الذي وافق عليه وطلب منه تنفيذه.
إلا أن مستشار الملك فؤاد عالي الهمة، دخل على الخط واتصل بالسفير الإسباني ولامه لأن الطلب وجّه إلى رئيس الحكومة ولم يوجّه إلى القصر.
لكن السفير الإسباني انتهز الفرصة عندما سمع من عالي الهمة أن الملك وحده من يمكنه تنفيذ الطلب الإسباني، واتصل بجميع القنصليات الإسبانية لإعداد لوائح بالسجناء الإسبان.