القاهرة | هنا رابعة العدوية، حيث مئات الآلاف من المصريين المعتصمين منذ أكثر من ٣٦ يوماً اعتراضاً على ما وصفوه بـ«الانقلاب العسكري» وعزل الرئيس السابق محمد مرسي. آثار الدماء تبدو واضحة على الأسفلت عند مدخل إحدى البوابات الأربع للميدان، حيث وقعت أحداث «المنصة»، التي راح فيها أكثر من ٧٠ قتيلاً. المعتصمون، بدورهم، يحاولون تمييز مواقع بقايا الدماء وكتابة عبارات منددة بوزير الدفاع عبد الفتاح السيسي وجهاز الداخلية.
على أحد الأرصفة، تجلس سعدية محمد كمال، عجوز مصرية في الستينيات من عمرها، تحت أشعة الشمس الحارقة، يحيط بها ٧ من أفراد أسرتها، الذين قدموا كلهم من محافظة سوهاج الصعيدية في جنوب مصر. أسبوعان قضتهما سعدية في الميدان، وهي تؤكد أنها لن تبرح مكانها أو تسافر لتعود إلى بلدها، إلا بعد أن تثأر لدم ابن أختها، الذي راح في أحداث اشتباكات الحرس الجمهوري، وهذا يكون بعودة الرئيس محمد مرسي. تتحدث سعدية بأسى عن ابن أختها الذي ترك المنزل منذ شهر وأتى للاعتصام، من أجل المطالبة بعودة شرعية الرئيس محمد مرسي، والتنديد بالانقلاب، غير أنه مات في أحداث الحرس الجمهوري. وتضيف: «نحن كبرنا خلاص، زماننا راح، وده زمن الشباب اللي بيموت، علينا أن ندافع عن مصر حتى لا تسرق من جديد».
الأجواء الإيمانية تخيم على الميدان وتظهر من خلال تلاوة القرآن، وقراءة الأذكار الجماعية، وهو ما وصفه أحد المعتصمين، بـ«اعتكاف جماعيّ» في رمضان للإسلاميين خاصة.
على إحدى البوابات من المدخل الثالث للميدان، حيث شارع الطيران، يقف حسام الدين علي، شاب عشريني، مرتدياً ملابسه الفوسفورية المميزة ويقوم بدور الحراسة لأحد مداخل الميدان. يقول حسام مبتسماً: «هذا هو السلاح، أكوام من الطوب والعصي للدفاع عن نفسنا في حال حدوث أي اعتداء من قوات الشرطة أو البلطجية».
مهمة حسام، الذي يدرس الهندسة في جامعة القاهرة، الرئيسية هي حماية أحد مداخل الميدان، ويعمل مع زملائه الذين يتولون حراسة المداخل الأخرى، على تنبيه المعتصمين قبل حدوث أي هجوم وإيقاظهم من الخيام. يمكن ملاحظة التأمين والتنظيم الواضحين في ميدان رابعة العدوية؛ فبعد شهر من الاعتصام ابتكرت «لجان التنظيم» طرقاً جديدة للمرور تحدّها الحبال لتفادي الزحام الشديد.
على إحدى هذه الطرق يقف الطفل أحمد سيد ليقوم بمهمته التي يتقنها جيداً، وهي رش المياه المثلجة على المعتصمين المارين للترطيب عنهم. ورغم صغر سن أحمد، الذي لا يتعدى العشر سنوات، يقول: «من أول ما جيت وأنا أقوم بدوري في ملء زجاجات المياه ورشها بحرفية معينة على المتظاهرين، وخاصة في ساعات الذروة وحيث يكثر المعتصمون في الميادين وأمام المنصة»، ويتابع: «نقوم بخلط نسبة من محلول الديتول على المياه للقيام بعملية التطهير، منعاً لانتشار أي أوبئة أو أمراض مع الأعداد الكبيرة». في مسجد رابعة العدوية يتجمع المئات من السيدات المعتصمات بعيداً عن سخونة الخيام، وحرارة الجو المرتفع. إحدى السيدات تحدث ابنتها الصغيرة في الهاتف لتخبرها أنها اشترت لها ملابس العيد الجديدة، وأنها ستأتي بها من قريتهم في الصعيد ببني سويف، لتقضي أيام عيد الفطر في ميدان رابعة العدوية. فتاة عشرينية تدعى هناء حسنين من محافظة القاهرة تجلس في إحدى زوايا المسجد، تحكي لمن حولها عن زفافها الذي كان من المفترض أن يحصل في أيام العيد، ولكنها أجلته بسبب الأزمة التي تمر بها البلاد.
هنا تجد أسراً بكامل أفرادها: الأم والأب وأطفالهما الخمسة يلتفون ساعة الإفطار ليوحدوا دعواتهم على السيسي. تقول نوال كمال: «نحن هنا منذ 24 يوماً، أقمنا شهر رمضان كله في الاعتصام؛ فبدلاً من أن يذهب أحد أبنائي أو زوجي الى الاعتصام ونقلق عليهما، وخاصة بعد حادثتي المنصة والحرس الجمهوري، قررنا أن تأتي العائلة كلها للاعتصام».
تلتقط سارة العربي حسين منها الحديث لتحكي أنها أتت إلى ميدان رابعة بعد حادث «المنصة» الذي قتل فيه ابن خالتها بعد حصوله على طلق في رقبته أودى بحياته في الحال. هشام أكمل طبيب امتياز في ميدان رابعة العدوية يمثل فئة من المعتصمين التي لا ترغب في عودة مرسي، ولكنه يعتصم رفضاً لما وصفه «بعسكرة الدولة».