غزة | تكتمل حياة الرجل الطبيعية بارتباطه بنصفه الآخر، وهي حال المرأة أيضاً. غير أن عادات المجتمع وتقاليده البالية حولتها إلى مجرد كائن، لا حول له ولا قوة، إلا أن ترضخ لعنف وساديته الرجل. في غزة، كما في أمكنة عديدة في العالم، تقبع نساء تحت ضغط الرجل وتعذيبه، من دون أن يكون من حقهن الاعتراض. ويصل الأمر في كثير من الأحيان إلى حدّ الاغتصاب. والأشدّ مأسويّة هو عدم اعتراف المجتمع الغزي بالجريمة، بل يضعها في خانة الواجبات الزوجية.
سميرة امرأة ثلاثينية متزوجة بقريبها منذ 17 عاماً، وفق عادات وتقاليد عائلتها التي تزوج الأقارب، تم عقد القران بوقت قياسي، لم تره قبل الزواج إلا مرة واحدة، وهي حين ألبسها خاتم الخطوبة. تقول لـ«الأخبار»: «توسلت أهلي ألا أتزوجه، فضربوني وأجبروني عليه، وأخبرتني والدتي إنني يمكنني التحكم به، خلال المعاشرة الزوجية التي يخضع فيها الرجال عادة»، مضيفة: «في بداية الزواج، كان طيباً جداً معي». وتتابع: «بدأت المأساة بعدما تحرش بي أخوه الأكبر، حيث كنت أعيش في بيت العائلة التي تتكون من 4 أسلاف. كنت في كل مرة أصدّه من دون أن أخبر أحداً، غير أن شقيقه انتبه لما يفعله، وأخبر زوجي ناصحاً إياه بأن يستقر لوحده».
نصيحة استمع إليها زوجها، لكنها قلبت حياتها جحيماً، وخصوصاً بعدما حمّلها زوجها مسؤولية التحرش بها، وعمل بعدها على تحويل علاقتهما الحميمة إلى أشد أنواع التعذيب لها جسدياً ونفسياً. تضيف: «كان يضربني ويهينني ويشتم أهلي، وسلوكه يزداد وحشية معي كلما تذكر فعلة أخيه، ويتفنن بتعذيبي بعلاقتنا الحميمة. فبدلاً من أن يكون حنوناً معي يضربني أولاً ثم يمسك بيدي بقوة كبيرة ، ويقذفني على السرير دون أي مقدمات ويعاشرني، معاشرة الحيوانات دون انتباه لجسدي أو مشاعري، فقط يريد أن ينتقم من جمالي الذي أثار أخاه».
تتحسر على نفسها وهي تستذكر تلك اللحظات وتسيل دموعها ثم تتابع: «العملية لا تأخذ دقائق معدودة، لكنها تكون بالنسبة إليّ سنين، لا يمارس خلالها الطقوس الزوجية ولا يلتفت إلي، فقط يريد السيطرة علي. وحين يكون في وضع الجماع يشتمني ويضربني، ويهينني، وعندما ينتهي هو، يبصق في وجهي ويرمي بي آخر السرير ويبدأ نومه».
عشر سنوات تعيش سميرة مأساتها، وحين أخبرت والدتها بما يجري معها نهرتها وأمرتها بالبقاء في بيتها؛ لأن «الزوجة ملك لزوجها ويحق له أن يفعل ما يريد».

مظاهر خداعة

دعاء فتاة عشرينية، عاشت في ظل أسرة فقيرة، تقدم لخطبتها شاب ثري، مظهره جميل وعائلته ذات نفوذ، فكان فرصة ذهبية، ووافق ذووها عليه دون الإمعان بالسؤال عنه. كذلك استعجل أهل الشاب الزواج، ولم يكن قد مضى على خطبتها أكثر من أسبوع ونصف.
تقول دعاء: «ارتديت أجمل فستان في زفافي، لكنه تحول لسجن من حديد في نفس اليوم، بعد انتهاء الفرح، ودخولي لغرفة النوم معه تفاجأت به يتشنج ويصرخ بأعلى صوته، ارتعشت أعضائي خوفاً منه، تغير شكله وتغيرت ملامحه التي أعرفها، حاولت الهرب من الغرفة لكنها كانت مقفلة من الخارج فاختبأت بإحدى الزوايا حتى الصباح وهو ملقى على الأرض».
حاولت حماتها، التي كانت قد أغلقت الغرفة عليهما في الليل وتركت البيت وخرجت منه، أن تشرح لها في الصباح أن هذا الوضع طبيعي أن يحدث مع ابنها لأنه أجهد في الفرح، أو من كثرة الحبوب «الترامال» التي أعطاه إياها أصدقاؤه.
لم تخبر دعاء أحداً من أهلها أثناء زيارتهم لها. استمرت على نفس حال ليلة زفافها أسبوعين، وحين هددت العائلة بفضح الابن وطلب الطلاق، ضربتها حماتها وساعدت ابنها على اغتصابها وفضّ غشاء بكارتها بالقوة.
اكتشفت دعاء أن زوجها مصاب بالصرع من الدرجة الخطيرة. ولم تقف الأمور عند هذا الحد، فقد منعتها والدة زوجها من مغادرة المنزل بعد الحادثة التي تكررت عشرات المرات، ولم تسمح لها حتى بزيارة أهلها، إلى أن تمكنت ذات ليلة عاصفة من الهرب إلى ذويها لتخبرهم بما جرى لها. وبعدما عامين في المحاكم، نجحت دعاء في الحصول على الطلاق.
الاختصاصية النفسية والاجتماعية رائدة وشاح تؤكد أنها عالجت عدداً من النساء اللاتي يتعرضن للعنف الجنسي، مشيرة إلى أن هذه الحالات تعتبر حرجة نسبة إلى عادات المجتمع وتقاليده. وتوضح أنه بالفعل تحصل عمليات اغتصاب للزوجات من قبل أزواجهن، ولكنهن لا يفصحن عنها إلا بعد عدة جلسات، وبطريقة غير مباشرة، مشيرة إلى أن أهم العوامل التي تؤدي إلى ذلك احتماء هذا النوع من الرجال بالقانون الذي يكفل لهم نوعاً من الحماية، إضافة إلى العادات والتقاليد التي تحرم النساء الوعي الكامل بحقوقهن الزوجية، بما فيها العلاقة الحميمية.
وتقول إن «من أهم الأسباب التي تؤدي إلى العنف الجنسي، انحرافات نفسية لدى الرجال، إضافة إلى قلة الوعي لدى النساء، اللاتي غالباً ما يترعرعن على التبعية للرجل في كل ما يفعله».
وتؤكد الاختصاصية أن «غالبية الرجال الذين يمارسون هذا العنف غير أسوياء، وعادة ما يقدمون عليه وهم متعاطون لمنشطات جنسية أو مخدرة»، مشيرة إلى الآثار السلبية الناتجة من ذلك، وأهمها إمكانية حدوث نفور جنسي لدى النساء أو لجوؤهن إلى الخيانة الزوجية للانتقام من الزوج.
المستشار القانوني في المركز نفسه، يونس الطهراوي، يؤكد عدم وجود أي نصوص قانونية تجرم بوضوح الاعتداء الجنسي على الزوجات من قبل أزواجهن، موضحاً أن انتقاص مواد تحمي حقوق المرأة تعود إلى قدم قانون الأحوال الشخصية الذي صدر عام 1936 في العهد العثماني، والذي حرره الانتداب البريطاني بغية حماية مصالح احتلالية، لا مصالح شعب. ويقول: «إضافة إلى أن الزوجات يخجلن من التوجه إلى مراكز الشرطة أو القضاء وإعلان هذا الجانب من العنف، تبعاً لعادات وتقاليد تحكمها وتمنعها من إعلانه، وبالتالي يبقى الموضوع طيّ الكتمان».