تونس | استيقظ التونسيون صباح أمس على نبأ تفجير ثان بعبوة محلية الصنع لم تخلّف أضراراً بالقرب من العاصمة تونس استهدف دورية لقوات الحرس الوطني في ضاحية المحمدية من محافظة بن عروس من إقليم تونس الكبير، في وقت بدا فيه الجيش التونسي يقوم بأكبر عملية لضرب معاقل مفترضة للإرهابيين في جبل الشعانبي. واستخدم الجيش الطائرات ومدافع الهاون في قصف مواقع الاسلاميين المتشددين، ما سبّب حريقاً كبيراً زرع الخوف والهلع في السكان القريبين من منطقة الشعانبي (جنوب غرب) ذات المسالك الوعرة. في غضون ذلك، سجلت الساعات الأخيرة ارتفاعاً في منسوب الغضب وتراجعاً في نسبة القمع الأمني الذي واجهت به قوات الأمن التحركات الشعبية على خلفية الدعوات لحل المجلس الوطني التأسيسي، حيث يتواصل اعتصام الرحيل أمام مقر المجلس بأعداد تتزايد كل يوم. وأول من أمس، التحقت جماهير الفرق الرياضية الكبرى في العاصمة مثل الترجي الرياضي والملعب التونسي والنادي الأفريقي بالاعتصام الذي بدأ غداة اغتيال القيادي الناصري محمد البراهمي. في المقابل، لم يتعدّ عدد المشاركين في اعتصام «الدفاع عن الشرعية»، الذي دعت إليه حركة النهضة، بضع مئات في ضاحية باردو.
وبدت النهضة كأنها تضحي بالحكومة بعد انحياز الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الأعراف وحليفي النهضة التكتل من أجل العمل والحريات والمؤتمر من اجل الجمهورية، إلى خيار حكومة الوحدة الوطنية وتحديد مهمات المجلس التأسيسي وتحجيم سلطاته.
ورغم أن «النهضة» استنجدت بعدد كبير من الأحزاب الصغيرة وبعض الشخصيات الوطنية، لم تستطع أن تتجاوز الضغط الشعبي والإعلامي والسياسي المسلط عليها بعد اغتيال البراهمي بسبب فقدان هذه الأحزاب والشخصيات أي تأثير في الشارع التونسي وأي صدى إعلامي.
لعل هذا ما جعل رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي يصرّح للصحافة التونسية، بعد لقائه رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر أمس، بقبول الحركة للحوار والتفاوض حول مبدأ تشكيل حكومة جديدة، وهي خطوة مهمة بعد أن كانت الحركة رافضة أي حوار ومتمسكة بـ«الشرعية» التي انتهت حسب المرسوم المنظم للانتخابات منذ ٢٣ تشرين الأول ٢٠١٢.
ويبدو أن المبادرة التي قدمها الاتحاد العام هي التي ستحظى بالقبول بعد دعم اتحاد الأعراف وبعض الأحزاب، إذ تدعو هذه المبادرة إلى الحل الفوري للحكومة واختيار شخصية مستقلة لتشكيل حكومة إنقاذ وطني محدودة العدد ومستقلة عن كل الأحزاب يتعهد أعضاؤها بعدم الترشح للانتخابات وإلزام المجلس الوطني التأسيسي بالنظر في مسألتين فقط: الدستور بالاستعانة بهيئة خبراء وتوافقات جلسات الحوار الوطني المختلفة، وصياغة القانون الانتخابي وإنهاء إشغاله في ٢٣ تشرين الأول المقبل وحل نفسه. كذلك دعا اتحاد الشغل إلى حل ميليشيات «رابطة حماية الثورة»، ومراجعة كل الجمعيات التي تعمل تحت غطاء «خيري»، وتحييد المساجد، وتتبّع كل من شجع أو دعا إلى القتل أو حرّض عليه، ومراجعة التعيينات في الإدارة التونسية ودواوين الوزارات، ومقاومة الارهاب، والتحييد الفعلي لوزارة الداخلية.
ورغم أن جبهتي المعارضة، الاتحاد من أجل تونس والجبهة الشعبية، والجمعيات والحركات الشعبية التي دعت إلى اعتصام «الرحيل» ترفض التنازل عن مطلب حل المجلس التأسيسي، فإن الأقرب إلى النظر أنه سيتم التوافق على مبادرة اتحاد الشغل، وذلك بتراجع المعارضة عن مطلب حلّه وتقييد عمله.
ويرى عدد من المتابعين للشأن التونسي أن مبادرة اتحاد الشغل ستتيح لتونس تجاوز معركة كسر العظام بين النهضة ومعارضيها مع ارتفاع التهديدات الأمنية. وفي إجراء وقائي، خصصت وزارة الداخلية لعدد من نواب المعارضة، المنسحبين من المجلس، واقيات رصاص وحماية أمنية، كما وفرت الحماية لثلاثة صحافيين وهم سفيان بن حميدة وسفيان بن فرحات وزياد الهاني، بعد ورود تهديدات بتصفيتهم. كذلك تمت أمس إقالة رئيس إقليم الشرطة في محافظة أريانة على خلفية التقصير الأمني في اغتيال البراهمي.