في عزّ الحرب المستعرة على أرض سوريا لتقسّم المقسّم، وتعيث في بلاد المشرق تفتيتاً وتشرذماً مذهبياً وإثنياً وعرقياً، افتتح أمس في بيروت، «مركز التقدم المشرقي»، مؤتمراً تحت عنوان «اللقاء المشرقي دفاعاً عن سوريا»، بحضور مثقفين وصحافيين سوريين ولبنانيين وفلسطينيين وأردنيين وعراقيين.«لقد برهنت التطورات السورية أننا نعيش في مجال جيوسياسي واحد هو المشرق»، يقول الكاتب الأردني ناهض حتر في افتتاح المؤتمر أمس. وأشار إلى أنّ «الحرب في سوريا أظهرت أسئلة شائكة عن العلاقة السورية اللبنانية والأردنية والعراقية والعراقية السورية، وعلاقتنا جميعاً بفلسطين»، مؤكداً أن هذه الخلفية «دفعتنا يساريين وقوميين ومقاومين لنبني مشروعاً فكرياً سياسياً جديداً». وعرّج حتر على معركة مدينة القصير، مشيراً إلى أن «لبنان وسوريا لا يمكنهما الانفصال، سواء في مشروع المقاومة أو في سياقات الأمن الوطني ومقدراته». وبوضوح، قال: «إننا ندعو إلى التدخل المشرقي في سوريا لضمان الانتصار في أربع معارك: استئصال الإرهاب، معركة إعادة البناء، معركة تجديد الدولة الوطنية المدنية العلمانية الديموقراطية، ومعركة تعزيز خط المقاومة».
ورأى سعادة أرشيد، في كلمة فلسطين، أنّ الأحداث الجارية أثبتت «وحدانية المعركة من البصرة حتى غزة وحلب وحمص والقصير وصيدا». وأشار إلى أن هدف المشروع المعادي هو المزيد من التشظي وتصفية القضية الفلسطينية، وأن المطلوب «خطة معاكسة تقوم على أساس إنهاء سايكس ـــ بيكو باتجاه التوحيد والتكامل».
وتحدّث علي حباشنة، باسم الوفد الأردني، وقال: «إننا نأتي اليوم من الأردن، وقد حقق الجيش العربي السوري إنجازات لم تغيّر الحقائق على الأرض فحسب، بل غيرت أيضاً حقائق التوازنات الدولية، وسوريا اليوم تشكل المحرك الذي لا تخطئه العين وراء إعادة صياغة العالم هذه». وتابع حباشنة: إن شعبنا الأردني يسترد اليوم أنفاسه بعد طول قهر، ليقول لا للتبعية، لا لوادي عربة، لا للتآمر على سوريا المجد، ويقول نعم للفجر الجديد، فجر المشرق العربي».
وألقى فاضل الربيعي كلمة العراق، تحت عنوان «الدفاع عن سوريا نقطة الارتكاز في الأمن القومي العربي». وأكد فيها أنّ «كتّاب التاريخ ارتكبوا خطأً فادحاً حين لفقوا مصطلح (الإمبراطورية الآشورية) وانصرفت الأذهان دائماً إلى أن المقصود منه هو العراق وحده، والأدق هو (الإمبراطورية الآشورية ـــ السورية) وهي خلاصة اندماج العراق وسوريا الطبيعية». وأضاف: «إننا نعي بعمق المغزى الحقيقي لتكرار هذه اللحظة من تاريخ الأمة، بوصفها اللحظة ذاتها التي شهدت في العراق انهيار علاقات القوة الدولية، وصعود عصر الهيمنة الأميركية، بينما نشهد اليوم مع سوريا انهياراً لعصر الهيمنة الأميركية وصعوداً في أدوار القوى الدولية الجديدة».
بدوره، رأى علاء المولى، في كلمته عن لبنان، أنّه حين نواجه حقيقة أن الانقسام السياسي والثقافي، بين الخليج والمشرق، أصبح حقيقة استراتيجية لأمد بعيد، فإنه لم يعد مقبولاً أن تكون منظومة العمل العربي المشترك الواقعية والوحيدة هي «مجلس التعاون الخليجي» الذي بنى أبناء المشرق، معظم دوله.
ورأى أنّ قيام «مجلس التعاون المشرقي» الواعي لذاته ولمصالحه المشتركة وموارده البشرية الكفوءة وثرواته لا يشغل، فقط، الفضاء العربي في الإقليم، بل يؤسس أيضاً لحركة الانتقال من «واقع» التجزئة إلى واقع أرقى باتجاه الأفق الوحدوي الذي تحمله «الفكرة» القومية.
ويستمرّ المؤتمر اليوم في أوتيل رامادا (السفير سابقاً)، ويتخلله مؤتمر صحافي عند الساعة الواحدة بعد الظهر لإعلان خلاصاته.
(الأخبار)