حمص | تتابع العملية العسكرية في حمص عبر سيطرة الجيش السوري على أغلب الكتل في حيّ الخالدية، وصولاً إلى مشارف جامع خالد بن الوليد المتصل عبر طرق طولية بالمستشفى الوطني الواقع على الخط الفاصل بين جورة الشياح والقرابيص. وتتركز غرفة عمليات المعارضة المسلحة في حيّ القرابيص، التي يشبّهها بعض المراقبين بحال المستشفى الوطني في القصير خلال فترة سيطرة مسلحي المعارضة على المدينة، إذ تتحدث بعض المصادر لـ«الأخبار» عن احتجاز عشرات المدنيين المختطفين داخل المستشفى، بينما ترفض المصادر الرسمية نفي أو تأكيد هذه المعلومات، إنما تؤكد أن سيطرة الجيش ستكون قريبة على المنطقة وفق خطة عسكرية تتيح السيطرة على القرابيص ومنع سقوطها مجدداً.
تفخيخ محيط جامع خالد بن الوليد يجعل التقدم أصعب، حيث تتركز غرفة العمليات الأخيرة لمسلحي المعارضة ومستودع ذخيرتهم في الخالدية. سيطر الجيش على 15 بناء رئيسيا بين جورة الشياح وباب هود، حيث ساهمت العملية بتضييق الحصار على حمص القديمة. جاءت العمليات ضرورية في موعدها بعد السيطرة على حيّ وادي السايح، ما ساهم في قطع خط الإمداد والتواصل بين القرابيص والوعر والخالدية من جهة، وحمص القديمة والحميدية من جهة أخرى. وهذا الأمر أدى إلى تفكيك الجبهة المسلّحة جزئياً وتشتيت قواها وتحويل خطوط المواجهة من خطوط عرضية إلى خطوط طولية ما أضعف تماسك المسلحين وقدرتهم على رد أي هجوم بري. وهذا يصب في مصلحة قوى الجيش التي تتقدم على خطوط عرضية تتيح لها السيطرة بأقل عدد ممكن من الخسائر. يستمد الجيش السوري من سيطرته على قلعة حمص المطلة على باب التركمان وباب هود قدرته على التحكم في طرق الإمداد اللوجستي لقواه المرابطة في أحياء عديدة من حمص، فضلاً عن موقع القلعة الاستراتيجي، ما يجعله مسيطراً بالكثافة النارية على الأحياء المشتعلة.
مصادر عسكرية تفيد «الأخبار» أنّ العملية المقبلة ستركّز على استهداف قرية الدار الكبيرة شمال حمص لإحكام السيطرة عليها، وإيقاف تدفق المسلحين منها إلى حي الوعر القديم، عبر البساتين الفاصلة بينهما، تمهيداً لنشر القوات جنوب تلبيسة وسهل الحولة، بالتوازي مع عمليات محكمة ينفذها الجيش شرقي حمص، إثر فرض سيطرته أخيراً على بلدة القريتين ضمن عملية تكتيكية للزحف البري باتجاه الرقة وتدمر في آن واحد.
محافظ حمص أحمد منير محمد، أفاد في تصريح لـ«الأخبار» أنّ نموذج المصالحة والتشبيك الاجتماعي في تلكلخ سيتبع في حيّ الوعر داخل حمص لتعميم تجربة المصالحة الوطنية حقناً للدماء ما أمكن. وأكد وجود قنوات اتصال تجريها محافظة حمص تحقيقاً لذلك. تصريح المحافظ جاء على هامش مؤتمر الشباب القومي العربي الذي اختتم فعالياته ليلة أمس في محاولة تحدٍّ للرصاص الذي يشعل ليالي المدينة. وتجدر الإشارة إلى أنّه كانت إقامة ضيوف المؤتمر عرباً وإعلاميين في حيّ الإنشاءات، أي على بعد ٨٠٠ متر من المناطق المجاورة المشتعلة، وفعاليات المؤتمر جرت على بعد ٢٠٠ متر من العمليات العسكرية الدائرة في باب هود. وعلى مرمى نيران مسلحي المعارضة في قلعة الحصن تعرّض الوفد الضيف لمحاولات قنص في قرية الحواش الواقعة ضمن وادي النصارى في ريف حمص، إنما دون وقوع إصابات.
ويأتي ذلك كله، في الوقت الذي تشهد فيه مدينة تدمر وريفها معارك مستمرة، فتستأنف حرب المساحات المفتوحة بين كر وفر، حيث إنّ ما يحدد مقياس الربح والخسارة في المعركة هو السيطرة على الآثار قبل أن يجري تهريبها إلى تركيا تباعاً، وتباع هُناك بعشرات الدولارات من قبل مسلحين أجانب، بحسب رواية المصادر الرسمية. ويصف مراقبون معركة تدمر بأنها معركة استهداف الإرث التاريخي السوري في تدمر، الذي يعود إلى آلاف السنوات قبل الميلاد، حيث تعدّ استعادة الجيش السوري أخيراً لكميات كبيرة من الآثار بينها أوانٍ وعربة القيصر وسيطرته على قلعة فخر الدين المعني الثاني ومعبد بل، نصراً معنوياً يحرزه الجيش في صحراء لا مكاسب استراتيجية داخلها إلا لمن يصل إلى آبار النفط، حيث من المحتوم أن تكون معارك الشرق الأخيرة هُناك، إذ يسيطر الأكراد على بعض الآبار، وأُخرى تسيطر عليها «جبهة النصرة»، فيما يسيطر الجيش السوري على الكم الأكبر منها. وفي تدمر وريفها تصعب قراءة مفاتيح التوازن، إذ ليس من اليسير تقدير الجغرافيا التي ستنتقل المعارك إليها في طريق الوصول إلى النفط. في الصحراء المفتوحة تبدو المعركة في إحدى مراحلها حرباً مع طواحين الهواء وصولاً إلى البوكمال على الحدود العراقية، إذ تشحّ المعلومات في المدينة التي لم يزرها أحد منذ زمن طويل.