في ظل تواتر المعلومات حول تقييد الجيش إقامة محمد مرسي وتحركاته، تنشط القيادات العسكرية على مدار الساعة لمتابعة تقارير غرف العمليات الخاصة، التي ترصد تحركات الجماعات المسلحة وعناصر جماعة الإخوان، ورسم خارطة الطريق للمرحلة الانتقالية، وذلك في «استراحة وزير الدفاع» مقرّ الإقامة الدائم للقائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع والإنتاج الحربي ورئيس الأركان الفريق صدقي صبحي.
وأكّدت مصادر عسكرية مطلعة لـ«الأخبار»، أن الرئيس غير موجود في قصر القبة كما يتردّد وانما قيد الاحتجاز «تقريباً» في نادي الحرس الجمهوري، تحت حراسة ضباط الحرس الجمهوري، فيما يتولى السيسي وصبحي إدارة الأمور مباشرة من خلال غرفة العمليات المسؤولة عن وضع خطط التعامل مع التظاهرات ومطالب المصريين ومحاولات إجهاض الثورة الثانية للمصريين.
وبحسب خارطة الطريق التي سرّبتها مصادر عسكرية، فانها ستعلق العمل بالدستور وتحل مجلس الشورى، وستنفذ ذلك إذا لم يتفق مرسي والمعارضة. وقالت المصادر إن المسودة ستتضمن الحكم من خلال مجلس انتقالي حتى تغيير الدستور، كما تتضمن تغيير الدستور خلال أشهر وتعقبه انتخابات رئاسية.
وبالنسبة لبيان القوات المسلحة «رقم 1»، الذي أمهل الرئيس للتجاوب مع الشعب، أكدت مصادر «الأخبار» العسكرية، انه كُتب مساء الأحد في غرفة عمليات القوات المسلحة تحت إشراف السيسي وصبحي، وتمت مراجعته أثناء وبعد تسجيله، وقبيل خروج مندوب الشؤون المعنوية الى مبنى ماسبيرو من أجل إذاعته وبثه على المواطنين. وجرى توجيه تنبيه الى المندوب بأن لا يغادر مبنى ماسبيرو قبل إذاعة البيان، وأن يبقى في الداخل بصحبة قائد تأمين مبنى الاذاعة والتلفزيون من الحرس الجمهوري ومسؤول القوات المسلحة المتواجد داخل المبنى.
وبالنسبة لعقبة الدخول الى ماسبيرو لإذاعة البيان العسكري، فكان قد عالجها قائد الحرس الجمهوري، اللواء محمد زكي، الذي اجتمع فجر الأحد، أي قُبيل انطلاق تظاهرات «30 يونيو»، مع القائد العام للقوات المسلحة، الذي طلب منه أن يلتزم بالتعليمات الصادرة عن القيادة العامة للقوات المسلحة دون غيرها. عندها أمر زكي عناصره ورجاله المسؤولين عن تأمين مبنى ماسبيرو بالسماح لمندوب الشؤون المعنوية «إذاعة البيان العسكري من دون الرجوع الى وزير الإعلام صلاح عبدالمقصود، الذي هرول عقب سماعه للبيان من مكتبه قاصداً سيارته الخاصة للهروب من مبنى ماسبيرو».
وقالت المصادر نفسها إن خطة الانتشار التي نفذتها القوات المسلحة جاءت لإجهاض خطط التخريب المسلحة، كما أتت للردّ على «محاولات قيادات الإخوان بمغازلة بعض قادة الأفرع والقيادات العسكرية، التي تعمل تحت قيادة السيسي»، وهو ما دفع الأخير الى توجيه تعليمات «بعدم الإدلاء بأي تصريحات من قبل قادة أفرع القوات المسلحة، وعدم الموافقة على الاجتماع، الذي دعا اليه الرئيس مرسي مع قيادات الجيش المصري».
المفاجأة التي كشفت عنها المصادر كانت تكليف اللواء محمد العصار، مساعد وزير الدفاع لشؤون التسليح، بمهمة توضيح حقيقة ما يجري داخل مصر الى الجانب الأميركي، بالتعاون مع الفريق صدقي صبحي. وأوضحت المصادر أنه جرت «اتصالات مكثفة مع قيادات من وزارة الدفاع الأميركية «بنتاغون» من قبل العصار وصبحي لتوضيح دعم الجيش المصري للشعب، ولتأكيد الحرص على العلاقات العسكرية مع المؤسسة العسكرية الأميركية.
في الوقت نفسه أكدت قيادات «البنتاغون» أنها سوف تطالب ادارة باراك أوباما بعدم التدخل في الشأن المصري، مشيرة الى أن وزارة الدفاع الأميركية تدعم المؤسسة العسكرية بشكل كامل».
من جهة ثانية، كشفت المصادر عن أجواء الاجتماع الذي جمع الفريق السيسي مع مرسي صباح أمس، وقالت إن الأخير أصرّ على إظهار أن ما يحدث في مصر هو اتفاق بين فلول النظام السابق والبلطجية، وأنه انقلاب عسكري ناعم لصالح قيادات المؤسسة العسكرية. غير أن السيسي أوضح له خطورة التشبث بالرأي في مثل هذه الظروف الدقيقة، خاصة وأن دعوات المصريين باتت حقيقة واضحة لا تحمل التأويل، مؤكّداً أنّه يجب على الرئيس أن يضع الخطوط النهائية لخروجه قبل تدخل القوات المسلحة بشكل حاسم.
أجندة اجتماع السيسي ومرسي، بحسب المصادر، تناولت تداعيات الأوضاع في مصر وموقف جماعة الاخوان المسلمين منها، والوقوف على مستجدات الأوضاع لدى مؤسسة الرئاسة، بعد تخلي بعض وزراء حكومة هشام قنديل عن مناصبهم والانضمام الى مطالب الشعب.
وقالت المصادر إن «السيسي ركز خلال اجتماعه مع مرسي على تحديد موقف الأخير من التظاهرات المليونية، وبحث معه إجراءات خروجه من الحكم، من دون إهدار الدماء المصرية»، مؤكداً له أنه «مكلف بحماية مصر شعباً وأرضاً، وأنه لن يسمح بإراقة دماء المصريين أو اقتتالهم أو تحويل ميادين العاصمة والمحافظات الى ساحات لمعارك أهلية».
وأضافت المصادر أن مرسي رغم عناده، أيقن تماماً أن السيسى «يقف لمساندة ارادة الشعب، ولن ينحاز الى أي فصيل أو إملاءات أو أجندات، وأنه لا مناص من تنفيذ إرادة الشعب»، لكنه لا يزال قلقاً بشأن الاجراءات النهائية الخاصة بخروجه، خاصة وأن أجتماع مكتب الإرشاد أعلن صراحة أنه يرفض اطاحة مرسي، وأنه متمسك ببقائه كتنظيم في الحكم.
من جهة ثانية، تلقى السيسي رسالة إلكترونية بعثها مستشار الرئيس للشؤون الخارجية، عصام الحداد، لعدد من الدول الأجنبية تعكس اصرار مرسي على إظهار أن ما يحدث في مصر على أنه انقلاب عسكري برعاية فلول النظام السابق. وقالت مصادر مسؤولة إن «الرسالة بعثت الى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا وألمانيا»، وأن محتواها عكس شكوكا عالية في أداء المؤسسة العسكرية طوال الفترة الماضية، حيث قام الحداد بتوصيل رسالة من مرسي «توضح تعاونه التام مع هذه الدول بشرط أن مساندته لاستعادة الحكم في مصر دون تدخلات من المؤسسة العسكرية».
وأوضحت المصادر أن السيسي أبدى استياء شديد من نص هذه الرسالة، وأنه عرضها على قادة القوات المسلحة من أعضاء المجلس العسكري، قبل أن يصدر قراراً بنشر مجموعات إضافية من قوات الوحدات الخاصة ومكافحة الارهاب الدولي في شوارع مصر كلها، والقبض على أي شخص يحمل أي قطعة معدنية أو سلاح مهما قلّ وزنها، والتعامل بحسم مع الخارجين على القانون وحماية المتظاهرين.