تونس | شكل انتخاب اليساري عامر المحرزي رئيساً لفرع تونس للمحامين، أول من أمس، صدمة للتيار الإسلامي الحاكم وحلفائه، حيث عاد اليسار المعارض المؤلف من حزب الاتحاد من أجل تونس، والجبهة الشعبية (الائتلاف اليساري والبعثيين وجزء من الناصريين)، إلى الساحة ليذكّر التونسيين بدور أبرز التشكيلات التي ساهمت في نجاح ثورة يناير عام 2011. وفاز المحرزي، في أهم فروع العمادة الوطنية للمحامين في تونس العاصمة، على منافسه محمد الهادفي (وكلاهما من مرشحي التيار الديموقراطي)، في الدورة الثانية بعدما هُزمت مرّشحة حركة النهضة سعيدة العكرمي، زوجة وزير العدل السابق نور الدين بالبحيري.
وهذا لم يكن الانتصار الأول لليسار، فقد فاز التيار الديموقراطي بكل مقاعد الهيئة الوطنية للمحامين، كما فاز مرشح التيار الديموقراطي للعمادة محمد أمين محفوظ، مقابل مرشحي «النهضة» بهامش كبير من الأصوات.
وسجلت الانتخابات رقماً قياسياً في عدد المقترعين، إذ وصلت النسبة إلى خمسين في المئة تقريباً، بينما وصل عدد المحامين في تونس الى حوالى ٨ آلاف محام.
أما بالنسبة إلى جمعية المحامين الشبان، فقد فازت قائمة التحالف اليساري القومي المدعومة من الجبهة الشعبية والاتحاد من أجل تونس، والتي تقودها إيمان اليحياوي، على قائمة «النهضة» وحلفائها، بفارق كبير من الأصوات، باستثناء مقعد وحيد أخذته «النهضة».
وكان المحامون من أبرز التشكيلات المهنية إن لم يكونوا الهيكل الأساسي الذي بدأ الاحتجاج ضد الرئيس المخلوع، منذ محاكمات الإسلاميين مطلع التسعينيات، ثم تعزز دورهم في انتفاضة الحوض المنجمي في ٢٠٠٨.
وبعد فترة هدوء نسبي بعد ثورة 2011 وتولي المحامي الباجي قائد السبسي، رئاسة الحكومة، يبدو أن هياكل المحاماة التي يسيطر عليها الآن اليساريون مدعومين من بعض الأحزاب، ستعود إلى المواجهة مع السلطة التي يسيطر عليها الإسلاميون. ومن بين الملفات التي ستدافع عنها هياكل المحامين الجديدة؛ ملف اغتيال المحامي اليساري زعيم الجبهة الشعبية، شكري بلعيد، وملف نيابة المحامين لمؤسسات الدولة، إذ منحت الحكومة امتيازات للمحامين الموالين للسلطة في وكالة قضايا مؤسسات الدولة بنفس الطريقة التي كان يعمل بها النظام السابق.
وكان المحامون قد هددوا بالإضراب العام بسبب هذا الملف الذي لم تعالجه الحكومة الجديدة بما يستحق من شفافية، بما ذكّر المحامين بالنظام السابق الذي كان يغدق الأموال على الموالين له من التجمعيين وأنصارهم.
لكن المحامين لن يقفوا ضد الملفات المهنية، بل سيكون لهم شأن كبير في السياسة.
وفي هذا السياق، أعلن العميد الجديد للمحامين محمد أمين محفوظ، في أول تصريح، أن الكشف عن قتلة بلعيد هو من بين الأولويات الأساسية للهيئة الوطنية للمحامين، كما سيكون للمحامين دور أساسي في الانتخابات المقبلة من خلال الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، والتي كان للمحامين دور أساسي فيها في الانتخابات التي قادت «النهضة» وحليفيها إلى الحكم.
كما سيكون للمحامين دور أساسي في الحوار الوطني ومناهضة العنف، إذ إن عمادة المحامين كانت من المبادرين إلى تنظيم حوار وطني من أجل مناهضة العنف الذي تتهم حركة النهضة بالتورط فيه، إلى جانب قضايا الرأي والتعبير ومعركة الحريات.
المحامون التونسيون كانوا دائماً في كل المعارك منذ الاستقلال، حتى بعد الثورة، حيث لعبوا دوراً في الانتقال الديموقراطي مثل الرئيس السابق فؤاد المبزع، ورئيس الحكومة قائد السبسي. كما لم تخل حكومتا «النهضة» من المحامين مثل نور الدين البحيري، والعميد الأسبق للمحامين عبد الرزاق الكيلاني.
بصعود اليساريين إلى هياكل المحاماة الأساسية وهي الهيئة الوطنية للمحامين وفرع تونس وجمعية المحامين الشبان، في انتظار فرعي سوسة وصفاقس، تكون المعارضة قد ربحت قطاعاً أساسياً سيكون له دور حيوي في مواجهة السلطة التي يقودها الإسلاميون.