«الحرب الأهلية»، مصطلح عاد الى الظهور على الساحة المصرية مع اقتراب موعد تظاهرات «30 يونيو» المطالبة بإسقاط النظام والدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة. مع أنّ هذه الحرب غريبة عن المجتمع المصري، لم يذكر تاريخه الحديث حالات اقتتال داخلي على أسس مذهبية أو سياسية أو عرقية. غير أن احتمال وقوعها لم يعد مستبعداً في وسائل الإعلام المصرية، وفي تصريحات عدد من السياسيين المعارضين، الذين حذروا من إمكانية نشوب حرب بين المصريين بعد التصريحات المحرضة، التي صدرت من شخصيات محسوبة على التيار الإسلامي.

يقول عضو مجلس الشعب السابق، مصطفى النجار، لـ«الأخبار»، إن «على العقلاء إيقاف هذا التحريض والتهييج والتخوين، لأنه سيؤدي إلى إراقة دماء المصريين». ويضيف «ندق ناقوس الخطر مبكراً قبل أن تسيل الدماء ويدب النزاع ويتحول الوطن لساحة حرب أهلية دامية لن تنتهى إلا بضياع الوطن». ويوافق النجار على أن دعوات الحركات الإسلامية النزول في 30 حزيران لمواجهة تظاهرات المعارضة قد تؤدي إلى الحرب الأهلية.
لكن في الواقع، فإن الكثير من هؤلاء المتخوفين لا يفرقون بين «الحرب الأهلية» و«الاشتباكات»، بين المؤيدين والمعارضين للرئيس محمد مرسي. المؤكّد أن يوم 30 حزيران لن يمرّ بسلام، وسط تزايد حالة الاستقطاب في الشارع المصري. وأحداث العنف التي شهدتها محافظات كالدقهلية والفيوم والأسكندرية والمنصورة خلال الأيام القليلة الماضية تشير إلى إمكانية حدوث مثل تلك الاشتباكات. والمؤكد أيضاً أنّه في حال وقوع مثل تلك الاشتباكات، فإن الخسائر ستكون كبيرة بين الطرفين، خصوصاً أن السلاح أصبح في متناول الجميع، وبات شعار كل مواطن أن «الدولة غائبة ومن حقي أن ادافع عن نفسي».
لكن هل تلك الحالة وهذه الكميات من الأسلحة يمكن أن تُدخل مصر إلى حرب أهلية؟ طبيعة وجغرافيا مصر لا تشجع على وقوع مثل هذه الحرب، حسب العديد من المراقبين؛ فلا توجد مناطق في مصر محصورة على فئة أو طائفة معينة، ولا شوارع مقصورة على أصحاب ديانة واحدة، بل ولا توجد عمارات للون سياسي واحد، وصولاً الى داخل الأسرة المصرية الواحدة، حيث تجد من هو مؤيد لمحمد مرسي ومن هو من أشدّ المعارضين له. ويسيطر على المصريين ثقافة «أننا ولاد شارع واحد» أو «منطقة واحدة»، وهو الرابط الذي يضعه سكان ذاك الحي أو هذا الشارع للدفاع عن بعضهم البعض في حال هجوم حي آخر أو شارع مجاور عليهم في مشاجرة أو ما شابه.
ويرى مؤسس حملة «تمرّد» المعارضة، محمود بدر، في حديث لـ«الأخبار»، أنّ مصر عصية على الحرب الأهلية «التاريخ بيقول كده وطبيعة الشعب المصري الطيبة السمحة تؤكد أيضاً على ذلك». ويضيف أن أتباع جماعة الإخوان المسلمين لا تتعدى نسبتهم الـ 5 في المئة من المصريين، وبالتالي سينصهرون داخل هذا الشعب، ولن يستطيعوا القيام بمثل تلك الحرب الأهلية لو خرج المصريون ضدّهم. كما يشير الى أن القوات المسلحة لن تسمح بانزلاق البلاد إلى نفق مظلم من حرب أهلية. ويرى أن جماعة الإخوان المسلمين تؤمن بأن مصلحة التنظيم أهم من رئاسة الجمهورية، وبالتالي إذا خرج المصريون ستتخلى فوراً عن الرئاسة، كي لا تخسر الاثنين معاً.
غير أن الصحافي في جريدة «الحرية والعدالة»، التابعه لجماعة الإخوان، محمد كمال، يؤكد أن الإسلاميين بصفة عامة لن يسمحوا بسقوط الرئيس، دفاعاً عن الشرعية التي أتت به إلى رئاسة الجمهورية، لافتاً إلى أن الإسلاميين يشعرون بأن الحرب ليست على مرسي وإنما على المشروع الإسلامي نفسه، وبالتالي يدافع الكل عنه «حتى آخر نفس». مع ذلك، استبعد حدوث حرب أهلية لأن «المعارضة لا تمثل الكثير من الشعب المصري»، وأنه «يمكنهم المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة ليعرفوا حجمهم في الشارع».
وبحسب كمال، فإن أشخاصاً تابعين للمعارضة يمارسون البلطجة في أغلب التظاهرات التي يدعون إليها «تصورهم الفضائيات وهم يحملون الأسلحة وزجاجات المولوتوف». أما الإسلاميون « فقد نظموا أكثر من فعالية لتأييد الشرعية والشريعة ولم ينتج منها أي عمل عنف واحد».
لكن حديث أحد أعضاء التيار الإسلامي، صفوت حجازي، يتناقض مع أقوال كمال، فقد توعد بأن «من سيرش مرسي بالمياه سنرشه بالدم»، في إشارة إلى استخدام العنف إذا حاول أحد إسقاط مرسي. بل ذهب الى حد القول في مهرجان إخواني إنه سيتم «سحق» معارضي الرئيس.
الغريب أن مرسي في اليوم التالي اعتبر أن تلك الفعالية «عكست الوجه الحقيقي للثورة المصرية من سلمية وتحضر في التعبير عن الرأي». وهو ما استنكرته جبهة الإنقاذ المعارضة التي قالت في بيان «إن مرسي تجاهل بشكل كامل ومتعمد دعوات الكراهية والتحريض على العنف والفتنة الطائفية بشكل صريح، والسعي الواضح لدفع مصر نحو الحرب الأهلية بتقسيم مؤيدي ومعارضي الرئيس مرسي بين مؤمنين وكفار».
أستاذ علم الاجتماع في جامعة عين شمس، سامية الساعاتي، تقول لـ«الأخبار»، إن المجتمع المصري حالياً يعيش حالة تسمى في علم الاجتماع «الفوضى الاجتماعية»، وهي تلك المرحلة التي تبيح كل شيء، من الاتهامات بالتآمر والتخوين وعدم الثقة، وتصل للتكفير. وفي هذه الفترة تتفوق السلبيات على إيجابيات المجتمع، وبالتالي يظهر هذا السوء على السطح، ويصبح كل شيء متوقعاً حصوله.
في ظل هذا الاستقطاب والتحريض والخوف من الحرب الأهلية، يبقى الرهان على الجيش المصري، خصوصاً بعدما اعلن وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي أن القوات المسلحة لن تسمح بأن تنزل البلاد في نفق مظلم، وان هناك حالة من الانقسام يجب أن تنتهي.