مهما يكن ما تحمله الأيام القليلة المقبلة، فان حال مسيحيي مصر اليوم، قبل أيام من احتجاجات 30 يونيو، ليس كحالهم بالأمس القريب، قبل ما يزيد على عامين في كانون الثاني؛ فلا المسيحيون كما كانوا، ولا كنيستهم كما عهدوها.
التهديدات التي أطلقها القيادي الإخواني، عاصم عبد الماجد، على سبيل المثال، لتخويف المسيحيين في مواجهة مشاركتهم المتوقعة في تظاهرات الأحد، واجهها «اتحاد شباب ماسبيرو»، بتحدٍّ واضح غير معهود على الإطلاق من الأقباط، الذين أجبرتهم عهود التمييز المتوالية على الانزواء. قالوا في بيان لهم: «يعرب اتحاد شباب ماسبيرو عن دهشته من تصريحات الإرهابي عبد الماجد، الذي لطخت يده بدماء المصريين من جماعته التي لا تعرف سوى العنف والدم، ويأتي الآن ليهدد فصيلاً وطنياً من المصريين ويتوعد أقباط مصر بتهديدهم حال نزولهم يوم 30 يونيو في ثورة الشعب المصري ضدّ نظام محمد مرسي وجماعته، التي دفعت البلاد إلى السقوط في الفساد والانهيار والتدهور على كافة المستويات».
تجدر الإشارة الى أن اتحاداً من الشباب القبطي كان قد تأسس في آذار من عام ٢٠١١، بعد أقل من شهرين على تنحي حسني مبارك، أثناء اعتصام ضخم نظمه آلاف الأقباط في منطقة ماسبيرو وسط القاهرة احتجاجاً على أحداث عنف واسعة النطاق في أطفيح جنوب القاهرة، ضد المسيحيين.
تقول عضو المكتب السياسي لـ«اتحاد شباب ماسبيرو»، بيشوي تمري، لـ«الأخبار»، إنّ «تهديدات عبد الماجد غير ذات تأثير يُذكر على نشاط الحركات القبطية، التي قرّرت كلها تقريباً، وأعلنت بالفعل الانضمام إلى تظاهرات «٣٠ يونيو»؛ فثمة تغيير واضح في موقف الأقباط عن موقفهم المعتاد إبان عهد حسني مبارك. في حينها كنا نشعر بأن نظامه يتواطأ مع المجموعات الإسلامية المتطرفة ضدّنا في أحداث العنف الطائفي، أما الآن، فقد أصبحنا نرى تلك المجموعات المتطرفة نفسها، وقد تولت السلطة في البلاد».
وتوضح تمري أن الأقباط ليسوا كما يُشاع عنهم، «فهم ليسوا مستعدين للارتماء في أحضان حكم عسكري جديد للخلاص من الإخوان، لسبب بسيط هو تورط المجلس العسكري في مذبحة ماسبيرو (تشرين ثاني 2011)».
أما الكنيسة الأرثوذكسية، التي تنحدر منها الغالبية العظمى من مسيحيي مصر، والتي كان يُنظر إليها في عهد البابا شنودة الراحل على أنها حليف قوي للسلطة، فقد طرأت عليها تغييرات جوهرية على ما يبدو، بعد جلوس تواضروس على الكرسي البابوي؛ هذا على الأقل ما يظهر في موقفه المعلن من التظاهرات المزمعة، إذ قال تواضروس إن «المسيحيين كغيرهم من المصريين يحق لهم التعبير عن رأيهم بأي طريق يختارون؛ فإذا كانوا قد خرجوا في يونيو من العام الماضي (الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية) للتعبير عن رأيهم بحرية، فأنا أرى أن ٣٠ يونيو الحالي سيكون الخروج الثاني؛ فإحدى بركات الثورة كانت كسر حاجز الخوف». موقف أكّدت عليه الكنيسة، خلال الاجتماع الدوري للمجمع المقدس في حضور أغلبية الآباء الأساقفة.
وكان الدعم غير المحدود من الكنيسة الأرثوذكسية لحسني مبارك قد بلغ بالبابا شنودة حدّاً أثنى فيه على جمال، نجل الرئيس المخلوع، في وقت كان يجري فيه إعداده كي يخلف والده، ووصفه بـ«شاب يصلح كرئيس للجمهورية». وقاومت في ظلّه الكنيسة تظاهرات رعاياها احتجاجاً على مذبحة كنيسة القديسين نهاية عام ٢٠١٠؛ وهي التظاهرات التي شهدت، ربما للمرة الأولى، الإدانة الواضحة للنظام الحاكم نفسه. وقبيل اندلاع الثورة المصرية، واصلت الكنيسة تعاونها مع نظام مبارك، وحاولت ثني رعاياها عن المشاركة في تظاهرات الثورة، كما وصل الأمر بالبابا شنودة الى القول إن الدعوة الى الإضراب العام «ليست من الدين».
هذا التحول في موقف الكنيسة يراه الباحث في القضايا القبطية، كمال زاخر، في حديث لـ«الأخبار»، «ناجماً في الأساس عن تولي بابا جديد مدرك لتغير مزاج الأقباط بعد الثورة، وخاصة أنّ السلطة لم تعد قادرة، كما اعتادت خلال العقود الماضية، على حصر الأقباط في الكنيسة؛ فالأخيرة كانت تحاول حماية الأقباط عبر إبقائهم داخل جدرانها على نحو يعزلهم عن مجريات السياسة والاحتجاج كأي أب محافظ، كما أن البابا شنودة كان مجبراً على نحو ما على التحالف مع مبارك على خلفية تجربة اعتقاله على يد سلفه أنور السادات، التي استمرت أربع سنوات بعد تولي مبارك».