القاهرة ـــ الأخبار إطلالة محمد مرسي يوم أمس، يبدو واضحاً أنها لم تنجح في امتصاص نقمة الغاضبين. حاول أن يلعب على أوتار عديدة. خاطب طيبة المصريين. سعى إلى دغدغة شعورهم الوطني. لعب على العصبية المصرية. بلا جدوى. سعى إلى ابتلاع الثورة مجدداً. أكد أنها ثورة واحدة، منذ 25 يناير، كي تسهل مصادرتها. ترحّم على شهدائها وحيّا جرحاها. بلا جدوى. سعى إلى تخويف الناس برغيف عيشهم. حمّل الاستقطاب السياسي الداخلي مسؤولية تدهور الوضع الاقتصادي وتدني مستواهم المعيشي. بلا جدوى. شغّل معزوفة أعداء الخارج الذين يتربصون بمصر وأعداء الداخل الذين يريدون أن يعيدوا عقارب الساعة إلى الوراء والقضاء على «الديموقراطية الوليدة». بلا جدوى. سعى إلى رفع بعض المسؤولية عن نفسه عبر الاعتراف بـ«أخطاء» قال إنه يريد تصويبها. عملياً، أراد مغازلة الفئات الشبابية التي لم تجد في خريطة الأحزاب الموجودة مكاناً لها، فما عاد أمامها إلا الشوارع والساحات. وأيضاً فئة المتعلمين وحملة الشهادات ممن يمتلكون طاقة على التغيير لم تتمكن المؤسسات من استيعابها. بلا جدوى. اتهم ضمناً «المعارضة الوطنية بالانقضاض على الثورة والتحالف مع أعداء مصر»، وقدم جردة بـ«إنجازاته»، مرفقة بوعود جديدة. قال إنه يواجه «حرب إفشال»، وأكد انتهاء ما يعرف بـ«الشرعية الثورية» على قاعدة «أننا في مرحلة الشرعية الدستورية». بلا جدوى. في النهاية، هو مرسي نفسه، بلغته الشعبوية التي لم تتمكن يوماً من تحريك سوى كتلة جماهيرية معروفة بانتمائها الإخواني.
خطاب الرئيس المسائي كان قد قوبل بالرفض المسبق من قبل قيادات «جبهة الإنقاذ الوطني» المعارضة التي رفضت دعوته لحضور الخطاب، مؤكّدة أن حوارات الرئاسة تتسم دائماً بعدم الجدية. وطالبت القيادات الرئيس ومؤسسته بالإنصات فقط إلى صوت الشعب، والانصياع لمطالبه التي أعلن أنه سينزل لتحقيقها يوم 30 يونيو.
وقال رئيس «حزب المؤتمر»، عمرو موسى، إنه اعتذر عن عدم حضور خطاب الرئيس، معللاً ذلك بأن الوضع في البلاد مؤسف جداً، والأوضاع ليست أوضاعاً احتفالية. وأضاف: «هناك انفصال تام بين الحكومة والشعب، والعالم يتساءل: مصر رايحة لفين؟».
الموقف نفسه صدر عن حزب «المصريين الأحرار»، الذي أعلن أن الدعوة الرئاسية تأتي في الوقت الضائع. وقال: «من غير المقبول أن تجلس المعارضة بقصر الرئاسة لتستمع إلى تبريرات واهية، أو لإنجازات وهمية بينما تتعرض البلاد لانهيار كامل في كل المرافق».
على مستوى الشارع، سقط ما لا يقل عن خمسة قتلى وأصيب أكثر من 270 بجروح في اشتباكات بين أنصار الرئيس ومعارضيه في مدينة المنصورة في دلتا النيل، فيما بدأ الجيش بتعزيز وجوده وتأمين المنشات الحيوية بالبلاد.
وكان الإسلاميون قد حشدوا أنصارهم في العاصمة والمحافظات قبل ساعات من خطاب مرسي، مع تسريب معلومات عن انتهاء قيادات مكتب الإرشاد من وضع اللمسات الأخيرة الخاصة بخطة إجهاض التظاهرات المرتقبة في 30 حزيران، وتبلورت هذه من خلال التظاهرتين التي حشدت لهما الجماعة يوم الجمعة الماضي في ميدان رابعة العدوي.
وأكدت قيادات منشقة عن جماعة «الإخوان»، لـ«الأخبار»، أن «خطاب الرئيس سيكون الساعة الصفر»، حيث سيُدفع بمسيرات أخوانية في أنحاء البلاد، كي تجوب الميادين المهمة في القاهرة ومحافظاتها التابعة، وفي مقدمتهم مناطق رابعة العدوية وقاعة المؤتمرات في القاهرة وميدان القائد إبراهيم ومحطة سيدي جابر في الإسكندرية، بالتزامن مع تعمد عرقلة الحركة بين المحافظات وقطع الطرق السريعة.
يأتي ذلك في ظل تفاقم الأزمة بين قائد الحرس الجمهوري اللواء محمد زكي ورئيس الجمهورية، إثر رفض الأول تنفيذ تعليمات الثاني بتولي مهمة إلقاء القبض على 33 قيادة سياسية وإعلامية أثناء إذاعة الخطاب الرئاسي، وفق ما أكدت المصادر.
وبحسب المصادر نفسها، رفض زكي أن يكون طرفاً في الأزمات السياسية، مؤكداً أنه مع الشعب وإرادته وعلى مرسي معالجة الأمور بحيادية بعيداً عن أجندة جماعته، التي حاولت مراراً الهيمنة على مقاليد الأمور في القصر الرئاسي.
وكان مجلس الوزراء قد عقد اجتماعاً برئاسة هشام قنديل في مقر هيئة الاستثمار للأسبوع الثاني على التوالي، وذلك لبحث عدد من التقارير الداخلية والخارجية المهمة في مقدمتها تطورات الأوضاع في الشارع المصري وسبل تأمين تظاهرة يوم «30 يونيو» وحماية المنشآت العامة والخاصة.
وقبل خطاب الرئيس في ساعات، أطلقت حملة «تمرد»، التي تقود احتجاجات «30 يونيو»، «جبهة 30 يونيو»، التي تتكون من مجموعة من «شباب الثورة لإدارة المرحلة الانتقالية في حالة رحيل الرئيس مرسي». وأوضحت الحملة، في مؤتمر صحافي، أبرز مهمات الجبهة وتشمل: «تفويض كامل الصلاحيات لإدارة البلاد لرئيس حكومة من الشخصيات السياسية الوطنية المعيرة عن خط الثورة (على ألا يترشح في أول انتخابات رئاسية أو برلمانية مقبلة)، ويتولى تشكيل حكومة كفاءات وطنية تكون أولويات مهماتها، الأمن والاقتصاد والعدالة الاجتماعية وتحقيق المصالحة الوطنية على أسس العدالة الانتقالية ودستور توافقي لكل المصريين».
وتنتهي المرحلة الانتقالية، بحسب الحملة، في مدى زمني لا يتجاوز 6 أشهر بإجراء الانتخابات الرئاسية تحت اشراف قضائي كامل ورقابة دولية، ويلي ذلك إجراء الانتخابات البرلمانية.
في موازاة مؤتمر «تمرد»، عقد حزب «الوطن» وثمانية أحزاب إسلامية أخرى من ضمنها «الحرية والعدالة» مؤتمراً صحافياً لإعلان مبادرة للمصالحة والمسؤولية الوطنية. وطالبت المبادرة بتشكيل حكومة ائتلاف وطني، ولجنة محايدة للتعديلات الدستورية من فقهاء دستوريين، وعقد مؤتمر قومي للتوافق الوطني تلتزمه رئاسة الجمهورية. وتضمنت المبادرة تسعة بنود في مقدمتها، المكاشفة والمصالحة وإنشاء لجنة حكومية رسمية من شخصيات مقبولة اجتماعياً، والتزام هدنة سياسية لا تتم الدعوة فيها لأي مليونيات، مع الاتفاق الكامل للسياسيين والإعلاميين على كشف أي اعتداءات على المنشآت حتى انتهاء انتخابات مجلسي النواب والشورى والمحليات.