الدوحة | في خطاب إعلانه قبول تكليف والده حكم إمارته «الغازية»، حاول الأمير الجديد تميم بن حمد الإيحاء ببعض التمايز عن والده، رغم كثرة الإشادات به، باعتباره «باني نهضة قطر الحديثة» وتأكيده أنه يواجه التحديات نفسها، وذلك من دون أن يتضح ما إذا كانت إشارات ستجد ترجمة عملية لها في الفترة المقبلة، أو مجرد عبارات أراد من خلالها أن يعطي لنفسه كياناً مستقلاً. «إننا كمسلمين... نحترم التنوع في المذاهب ونحترم كل الديانات في بلداننا وخارجها». العبارة المفتاح في خطاب تميم، راعي شيوخ التكفير في المنطقة، ويتقدمهم يوسف القرضاوي الذي كان أول مهنئيه بتولي حكم الإمارة، يرى، بحسب خطابه الأول مذ توليه الحكم، «أننا كعرب نرفض تقسيم المجتمعات العربية على أساس طائفي ومذهبي، ذلك لأن هذا يمس بحصانتها الاجتماعية والاقتصادية ويمنع تحديثها وتطورها على أساس المواطنة، بغض النظر عن الدين والمذهب والطائفة»، معتبراً أن الانقسام الطائفي «يسمح لقوى خارجية بالتدخل في قضايا الدول العربية وتحقيق النفوذ فيها».
كلام يصدر عن حاكم الدولة التي جعلت الفتنة في سوريا من أولى أولوياتها، ومع ذلك لم يذكر اسم هذا البلد في خطابه الذي استمر 15 دقيقة، وإنما استعاض عنه بفلسطين، «عدّة الشغل»، التي أكد استمرار دعمه لها. «نحن دولة وشعب ومجتمع متماسك، ولسنا حزباً سياسياً. ولهذا فنحن نسعى إلى الحفاظ على علاقات مع الحكومات والدول كافة، كما أننا نحترم جميع التيارات في السياسة المخلصة المؤثرة والفاعلة في المنطقة، لكننا لا نحسب على تيار ضد آخر»، عبارة رأى البعض أنها إشارة ودّية تجاه إيران. ومع ذلك كان جليّاً أنه لم يتناول مواقف بلاده من القضايا العربية والدولية إلا بصورة عامة، على الرغم من أن اليد القطرية تعبث بكل مكان، ما يؤشر، بحسب مراقبين، إلى أن الاتجاه الجديد لحكمه سيكون المزيد من الانغماس في الشؤون الداخلية لكي يتمكن من تجنب المطبات الداخلية المعترضة أو الراضية على مضض من هذا التغيير المفاجئ.
كانت لافتة في هذا السياق دعوة تميم القطريين الى «مزيد من العمل والجهد»، مؤكداً أنه «سيكون هناك تدقيق أكبر في نتيجة الاستثمارات الضخمة التي تضعها الدولة داخلياً وخارجياً»، وهو الأمر الذي كان نقطة خلاف كبير بينه وبين رئيس الوزراء السابق حمد بن جاسم بن جبر الذي يقبض على صندوق قطر الاستثماري، وعمل على عقد صفقات ضخمة في عواصم العالم، منها باريس ونيويورك ولندن ومدريد، سببت اعتراضاً وأثارت الانتقادات من الصحافة الغربية التي أبدت تخوفها من «الغول القطري» الذي يقضم مجتمعاتها.
وبعيد بث الخطاب على القنوات الرسمية، أصدر تميم، الذي تسلّم الحكم بعد أيام فقط على لقاء جمعه ووالده السبت مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري، مرسوماً بتشكيلة الحكومة الجديدة برئاسة الشيخ عبد الله بن ناصر آل ثاني، الذي خلف رئيس الوزراء السابق الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني. وأسندت إلى الشيخ عبد الله أيضاً حقيبة الداخلية، فيما عيّن خالد العطية وزيراً للخارجية وأبقي محمد السادة في وزارة الطاقة والصناعة الاستراتيجية. وتضمنت التشكلية الوزارية إلغاء وزارات واستحداث أخرى ودمج أخرى. وفي التشكيلة ثلاثة أفراد من أسرة آل ثاني الحاكمة وسيدة واحدة. حكومة وصفت بأنها وزارة تكنوقراط مهمتها «تحقيق النهوض بالدولة» وشملت مروحة أوسع جداً من القبائل والعائلات القطرية.
ورئيس الوزراء الجديد معروف بشخصيته الهادئة والرصينة وبأنه من التيار المحافظ في الأسرة الحاكمة، وله ارتباط وثيق بالحركات الإسلامية. جمعته عدة لقاءات بفاعلين في السياسة الإقليمية والدولية، آخرها عندما زار الولايات المتحدة خلال حزيران 2013، حيث التقى أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب جون ماكين ودايان فينشتاين ومايكل ماكول. كما برز بنشاطه الخارجي في السنتين الأخيرتين حيث له شبكة علاقات واسعة في الخليج، وعادة ما يمثل قطر في المناسبات ذات العلاقة بشؤون الأمن والإرهاب.
كما يظهر من التشكيلة أن تميم يخشى انتقام حمد بن جاسم، لذلك «يطهر الدولة من أتباعه». فالمشكلة التي تواجهه هي رجال الأعمال الذين تربطهم علاقه قوية بجاسم. لذلك عين خصميه خالد وحمد العطية في وزارتي الخارجية والدفاع.
وزار الدوحة للتهنئة ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة وملك الأردن عبد الله الثاني والنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء السعودي مقرن بن عبد العزيز آل سعود.
وقد أجرى جون كيري اتصالاً هاتفياً بالأمير الجديد، أمس، معرباً عن الأمل بمزيد من التعاون بين البلدين. كما تحادث هاتفياً مع الأمير المتنحّي حمد.