الآن، وقد أصبحت الحرب المعلنة ضد سوريا من قبل الإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية لا مناص منها، في ضوء نتائج لقاء الدول الأوروبية والأميركية الشمالية الثماني في بلفاست (إيرلندا الشمالية) في 17 و18 حزيران/ يونيو 2013 الجاري. وتبخرت أحلام المعارضات السورية وشبه السورية، كما ينبغي أن تتبخر أحلام المعارضات السورية الموالية للنظام مع أحلام أنصار النظام وإلخ... في عقد مؤتمر «جنيف 2» وتوزيع الحصص كما يحلم كل فريق هنا وهناك.
ولم يعد أمامنا إلا العودة الصادقة إلى شعبنا وبالدرجة الأولى إلى قواه الوطنية التقدمية، للدفاع عن سوريا الحبيبة بكل طوائفها الحقيقية غير المصطنعة، وكل قومياتها الحقيقية من كردية وتركمانية وشركسية وغيرها، وكل اتجاهاتها السياسية الوطنية المعادية للإمبريالية والصهيونية العدوين اللدودين لكل شعوب العالم، ومن ضمنها شعوب البلدان الأوروبية والأميركية نفسها.
ولم يكن الثمن المدفوع في «الأزمة السورية»، التي بدأت منذ عقود طويلة، قليلاً بل كارثياً يتمثل في نصف الشعب السوري وقسم كبير من الشعب الفلسطيني الذين غادروا سوريا لاجئين هنا وهناك، وأكثر من مئة ألف قتيل وربع مليون جريح ومقعد، وهدم أكثر من نصف الأبنية من بيوت ومحال ومعامل، وبروز أثرياء الحرب من كل شاكلة ولون قميئين. وهم يستغلون هذه الظروف المأسوية بالذات لتوسيع ملكياتهم وأرصدتهم هنا وهناك.
والذين سيقاتلون إلى نهاية النهاية دفاعاً عن الوطن وعن الشعب هم الوطنيون التقدميون المجربون في كل ساحات القتال الداخلية والخارجية. أما غير المجربين والحكواتيين والمزورين، فقد أوصلوا سوريا إلى ما هي عليه الآن. وما زالوا بانتظار عودة الفرصة لهم، ليعيدوا الكرة ثانية وثالثة ورابعة وأكثر. ولا يعيب أحداً من النظام السوري الذي يشكل الآن جزءاً لا يتجزأ من جبهة أعداء الإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية، إن هو عاد إلى رفاقه وأصدقائه وإلى الجبهة الوطنية التقدمية فيه، متجاوزاً الخلافات التي حدثت إلى أن يحل السلام وتنتصر القضية، وبعدئذٍ يكون الجميع قد تأكد من ضرورة الإصغاء لبعضهم بعضاً في ضوء التجارب المرّة التي أوصلت الشعب والبلاد إلى ما نحن فيه.
لقد ارتقى شعار «المصالحة الوطنية» من مجرد شعار للتخفيف من حدة المواجهات العسكرية وغير العسكرية ما بين أطراف المعارضة المسلحة وغير المسلحة من جهة، وجماعة السلطة من جهة أخرى، إلى تشكيل تيار كان يتقدمه الرفيق فاتح جاموس إلى جانب جبهة التحرير والتغيير التي تتألف من حزبين: حزب الإرادة الشعبية من فريق «وحدة الشيوعيين السوريين» بقيادة الرفيق قدري جميل، والحزب القومي السوري بقيادة الرفيق علي حيدر. وتوّج هذا الارتقاء بتشكيل الحكومة الحالية التي تخصص فيها الرفيق علي حيدر بالمصالحة الوطنية. وكنا ننتظر أن تبذل الجهود لعقد «المصالحة الوطنية» ما بين النظام العسكري القائم في سوريا بقوة انقلاب عسكري قام به السيد الرئيس حافظ الأسد عام 1970، وأورثه لابنه السيد الرئيس بشار الأسد في أوائل هذا القرن، وبين أوسع أوساط الشعب السوري، وفي طليعتهم المجاهدون التقدميون الذين أفنوا حياتهم في النضال والكفاح ضد الإمبريالية والصهيونية.
وكان الوطنيون التقدميون وغير التقدميين قد وجدوا في أوائل هذا القرن أنّ الأوان قد آن لخوض الكفاح من أجل سير هذا الحكم في سبيل الجمهورية المدنية والديموقراطية الحقة، وانتشرت المنتديات في كل مكان، معلنة عن الدروس المستخلصة من انهيار الأنظمة الشمولية (الاشتراكية) في أوروبا. وشهد «ربيع دمشق» نمو أزهار يسارية ويمينية هامة، من ضمنها ميثاق الشرف الوطني للإخوان المسلمين في سوريا، إلا أن صقيع النظام العسكري المستبد لم يلبث أن حوّلها إلى يباس في سجونه الكبيرة والصغيرة.
وكان أول من كان ينبغي البحث معهم في المصالحة الوطنية رفاقنا في القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، وفي طليعتهم الشهيدان نور الدين الأتاسي وصلاح جديد، ويمثلهم الآن الرفيقان مصطفى رستم وحديثة مراد. ويقف إلى جانبهم في الجبهة نفسها رفاقنا في الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي)، وفي طليعتهم الرفاق: رياض الترك، فايز الفواز ومحمد سيد رصاص، ورفاقنا في حزب العمل الشيوعي، وفي طليعتهم الرفاق: فاتح جاموس، أصلان عبد الكريم، عبد العزيز الخير وحسيبة عبد الرحمن. ويقف إلى جانب هؤلاء الرفاق والرفيقات عشرات إن لم يكن مئات ألوف الرفاق والرفيقات من شيوعيين وشيوعيات، وقوميين عرب، وكرد، وأرمن وغيرهم من اليساريين واليساريات الذين غادروا صفوف أحزابهم اعتراضاً على السياسات التي فرضتها القيادات الديكتاتورية الأنانية هنا وهناك.
هؤلاء كلهم هم الوطنيون والوطنيات الجديرون والجديرات بأن يتقدموا صفوف المناضلين والمناضلات في الكفاح ضد الإمبريالية والصهيونية، وباقي أعداء الشعوب. ومن المنتظر أن يتخلى المسؤولون الحكوميون والمسؤولات، في ظل الظروف المأسوية الراهنة، عن كل ما يؤخر ويعيق الوصول إلى المصالحة المبدئية المنشودة، كسبيل لا بد منه للارتقاء بالوحدة الوطنية السورية إلى مستوى التغلب على الأزمة العميقة والمتشعبة إلى أبعد حدود التشعب. إلا أن ذلك لا يعني أن باقي الاقتراحات نافلة، بل على العكس، فإن في كل الطروحات المطروحة والتي ستطرح نقاطاً إيجابية يمكن أن تشكل إذا جمعت ونقحت البرنامج المنشود للمصالحة الوطنية الحقيقية. ولكن سيف الوقت، وسيف العدو الحقيقي الذي ظهر بصورة جلية ولا أوضح في اجتماع «بلفاست» يفرض على السلطة في سوريا أولاً، ومن ضمنها الجبهة الوطنية التقدمية، وعلينا جميعاً، وفي الطليعة المشار إليهم أعلاه، الاجتماع في أقرب وقت ممكن لوضع مشروع البرنامج السياسي الوطني بالتفصيل الممل، الذي تتبناه أول حكومة تمثل الجميع وتسير على هداه حتى النهاية، والتي تتمثل بالانتخابات إلى مجلس الشعب الذي ينفذ المهمات التي ينص عليها البرنامج السياسي الوطني المقر.
وبالمناسبة، كفى عقد اجتماعات لعرض العضلات على شاشات التلفزيون والتبجح بما هو معقول وغير معقول، وتفضلوا نتناقش بعيداً عن الأضواء، ونكتب ونقرّ مشروع البرنامج الوطني السوري المنتظر.
* عضو اللجنة التحضيرية لحزب من الطراز الجديد