عام على «جنيف 1» وعام على سيطرة المعارضة على أجزاء كبيرة من حلب. الأول تحوّل إلى رقمه الثاني عبر ضابط إيقاع روسي، فيما حلب يعود عزف إيقاعها للجيش السوري. منذ سنتين، والكلمة في سوريا للميدان. المبادرات الداخلية والخارجية ظلّت على الهامش. مرّت سنة على «جنيف 1»، وقد تمرّ سنة أخرى على «جنيف 2». لا جديد سوى أنّ اللاعبين الكبيرين، روسيا وأميركا، قرّرا الجلوس على طاولة واحدة لحلّ الأزمة. في وقت، لا شيء يدفع اليوم واشنطن وحلفاءها لمشاركة دمشق غرفة واحدة. الحكومة السورية تعتبر نفسها في موقع المنتصر. خطّ الميدان البياني في ارتفاع مستمر، وصل في القصير إلى أعلى نقطة ويُعمل على رفعه في حلب وريف العاصمة.
لماذا سيقدم بشار الأسد تنازلات، ولمن؟ خريطة سوريا أمامه لا تدلّ على منطقة مهمة جديدة سقطت في أيدي المسلحين منذ أشهر.
بدورها، المعارضة الخارجية لن تذهب لتقول خسرنا، وتفاوض على بضعة مقاعد في «حكومة انتقالية».
هو الميدان. برك دماء من درعا إلى الحدود التركية.
لم يعد حديث الغرب المتكرّر عن التفكير بتسليح المعارضة يُصرف داخلياً وخارجياً. التسليح مستمر منذ أشهر طويلة، منذ ما قبل صفقة الأسلحة الكرواتية الشهيرة.
أجهزة استخبارات عربية وغربية تموّل و«تذخّر» وتدرّب من الأردن إلى تركيا. وما تهديد الوزراء جون كيري وألكسندر هيغ ولوران فابيوس بإمكانية تسليح المعارضة سوى للتسجيل الإعلامي.
سوريا اليوم في لعبة مكشوفة. آلاف الكيلومترات المربعة ينتشر فيها «جيشان». الكلمة لهما حتى إشعار آخر.
«أصدقاء سوريا» يقولون «إعادة التوازن أولاً»، ما يعني مزيداً من الأسلحة من حيث الكمية والنوعية _ «مزيداً» وليس البدء بإرسالها _ إلى حلب التي التفتت إليها باريس قبل الجيش الحر. فابيوس، الضابط الميداني الجديد، قال: «يجب وقف تقدم الجيش السوري باتجاه حلب. ذلك قد يؤدي إلى مقاطعة المعارضة لمؤتمر جنيف 2»، ليعود الرجل ويستقبل وفداً من مجلس «محافظة حلب المحررة» ليسمع احتياجاته وماذا تستطيع بلاده أن تقدّمه له.
حلب التي أعلنت فيها منذ حوالى سنة بدء معركة «بشائر رمضان»، تتّجه نحو «رمضان» آخر. قد «يفطر» سوريون في منازلهم التي غادروها العام الفائت.
حلب أخرى قيد التشكّل، يتقدّم الجيش في محاور ويقطع طرق الإمداد تمهيداً لعزل المسلحين في قطاعات أصغر لتسهيل ضربهم.
ويسعى بعد ترجيح كفته فيها إلى تثبيت السيطرة على الأحياء الآمنة والمناطق التي طهرها من المسلحين في الجنوب الغربي من المدينة. وضمن استراتيجيته تأمين طريق حلب _ أعزاز لكسر الحصار عن بلدتي نبل والزهراء، ومن ثم السيطرة الكاملة على الجهة الغربية من الطريق والانطلاق منها إلى تأمين الجهة الشرقية، وصولاً إلى مطار منغ، لكي تصبح معركة عندان الخطوة الأخيرة في تأمين ريف شمال غرب حلب بالكامل.
كذلك يسعى إلى تأمين الطرق المؤدية إلى مطار حلب الدولي وإلى السفيرة _ خناصر، وفي أولوياته الأخرى السيطرة على طريق حلب _ المسلمية حتى السجن المركزي، مع إكمال خطته لإحكام الطوق حول حلب والأحياء التي تنتشر فيها الجماعات المسلحة، وقطع طرق إمدادها نهائياً تمهيداً لتطهيرها.
إذاً، استعصاء الحلّ السياسي ماثل للعيان. والصورة أمام «الائتلاف» المعارض واضحة. لا يوارب أعضاؤه كما جرت العادة. من تحدث منهم مع «الأخبار» لم يقل «هي ثورة حتى النصر»، أو «الجيش الحر متماسك ويتقدم على كل الجبهات».
خالد الناصر، عضو الهيئة السياسية، يرى أنّ «أي مؤتمر تفاوضي يحدّد شكله حسب موازين القوى على الأرض بين المتحاربين. ومَن ظروفه أفضل يفرض شروطه».
ويعتبر أنّ «الثورة تهمّها الإمكانات الجديدة التي يقدمها أصدقاء سوريا لتحسين وضعها القتالي». وعن السلاح، يلفت إلى أنّه «في شي حقيقي وصل، لكنّه غير كافٍ، الغرب يرسل الأسلحة بالقطّارة حسب مخطّطه الآني».
عضو آخر في الائتلاف، يرى أنّ «الأشهر المقبلة تحمل تطورات مهمة كون الأمور اليوم تخضع لقواعد الاشتباك». ويؤكد أنّ الغرب يريد فعلاً «إعادة التوازن فقط»، لكن «لنا أصدقاء قريبون منّا... يدعموننا بهدف إسقاط النظام، لذا علينا الاستفادة من الموازين الدولية والإقليمية بالحدود القصوى الممكنة لضمان نجاح الثورة».
«هيئة التنسيق» المعارضة، بدورها، يتراجع وهج خطابها اليوم. «جنيف 2» على الرفّ. هذه الحركة، ومعارضة الداخل، لا تملك ما تغيّره اليوم. الحلّ السياسي تراجع، وأيام التظاهرات السلمية ولّت أيضاً.
عضو المكتب التنفيذي في الهيئة، أحمد العسراوي، يرى في حديثه مع «الأخبار» أنّ المنطقة «لم تعد قابلة لحلّ غير سياسي، لأن أي حل آخر يعني استمرار التدمير، وهذا ما يعنيه بإعادة التوازن». وبرأيه، بعد فترة قد تنقلب قصة التوازن لدى النظام وحلفائه، ما يعني دورة جديدة من الدمار والقتل. «طرفا التشدّد لم يقبلا الجلوس على طاولة جنيف 2»، يضيف.