تونس | بينما أصدر أقوى أحزاب المعارضة التونسية حركة نداء تونس، بياناً يدين حركة النهضة ويحمّلها مسؤولية العنف في البلاد، أكدت الحركة في بيان على صفحتها الرسمية في «فايسبوك» أنها علقت عضويتها في أشغال المؤتمر الوطني لمناهضة العنف والارهاب الذي بدأ أمس ويختتم اليوم في قصر المؤتمرات في العاصمة التونسية، حيث خيمت على قاعاته أجواء الاتهامات المتبادلة. وانسحبت «النهضة» مع أحزاب المؤتمر من اجل الجمهورية والحزب الجمهوري المغاربي وحزب الثقافة والعمل والحركة الوطنية للعدالة والتنمية وحزب الأمان وحزب الإصلاح والتنمية، احتجاجاً على «التوظيف السياسي» بما يفقد المؤتمر صفته المدنية. لقد أتت المبادرة لتنظيم المؤتمر من جمعيات ومنظمات مدنية وليس من أحزاب سياسية: يشارك نحو ٧٠ حزباً وجمعية، أبرزها الاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والمعهد العربي لحقوق الإنسان وعماده المحامون.
لذلك جاء تعليق «النهضة» وأنصارها لعضويتهم في هذا المؤتمر بعد المشادة التي حدثت بين عدد من أنصار الجبهة الشعبية ورئيس الجمعية الوسطية للإصلاح والتوعية الداعية عادل العلمي، الذي استنكر عدد من شباب الجبهة حضوره على اعتبار انه من دعاة العنف والتكفير. وفي أول ردود الفعل على انسحاب حركة النهضة والأحزاب القريبة منها، أصدر حزب نداء تونس بزعامة رئيس الوزراء الأسبق الباجي قائد السبسي، بياناً أدان فيه انسحاب بعض «الأطراف» واتهمها بعدم جديتها في مقاومة الإرهاب والعنف وحمّلها مسؤولية توقف المسار الانتقالي في البلاد. وأعلن الحزب عن عزمه مواصلة العمل في ورشات المؤتمر الوطني لمناهضة العنف والارهاب.
وفي الوقت الذي ادعى فيه العلمي انه تعرض إلى التعنيف من قبل شبان من الجبهة الشعبية، نفى ناشطون يساريون موالون للجبهة ما صرح به، واعتبروا أن ما قام به مجرد مسرحية لتبرر من خلالها «النهضة» وأنصارها عدم استعدادهم للحوار وتمسكهم بالعنف كمنهج في الحياة السياسية.
في تصريح لـ«الأخبار»، قال رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان، باسط بن حسن، إن «افتتاح المؤتمر تم في ظروف عادية وحسب البرنامج الذي سطرته هيئة التنظيم ولكن فوجئنا بمشادة بين أحد الحضور ومجموعة لم نتبين هويتها وهذه المشادة عطلت الافتتاح لفترة قصيرة، لكننا تمكنا من تطويق الأزمة ومواصلة أشغال الورشات وهي الأمن والتهميش والإقصاء والمرأة والعنف والإرهاب والقضاء ونؤكد أننا نأسف لانسحاب الأحزاب التي دعوناها ولم تتحفظ مثل حزبي النهضة والمؤتمر، لأننا نسعى إلى الخروج بخريطة طريق واضحة لمواجهة الإرهاب والعنف ولا يمكن لهذه المشاحنات الظرفية أن تؤثر في مشروع المؤتمر وأهدافه».
من جهته اتهم أستاذ القانون الدستوري المعروف بمعارضته للترويكا، غازي الغرايري، الجبهة الشعبية بممارسات فاشية. ودافع عن حضور الوهابي العلمي الذي اكد انه استدعاه شخصياً للحضور.
ولم يكن الغرايري هو الوحيد الذي أدان سلوك بعض أنصار الجبهة الشعبية، بل عرفت أروقة قصر المؤتمرات مشادات أخرى بين الصحافيين وبعض أنصار الجبهة الذين نعتوهم بالكلاب، على خلفية سعيهم إلى الحصول على تصريح من العلمي. واللافت ان المعارضين رفعوا في وجه العلمي شعار الثورة التونسية الشهير «ديقاج». أما رئيس جمعية الصحافيين الشبان رؤوف بالي، فأوضح أن أنصار الجبهة الشعبية اعتدوا على الصحافيين لأنهم قاموا بعملهم والتزموا الحياد عندما حاوروا العلمي.
يذكر أن العلمي هو رئيس الجمعية الوسطية للإصلاح والتوعية التي أراد ان يسميها في البداية جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. عُرف بدعوته إلى تعدد الزوجات وتكفير العلمانيين والحداثيين. والعلمي معروف أيضاً بميوله للوهابية، وقربه من صاحب إذاعة الزيتونة صخر الماطري، صهر الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وقد أعلن في الفترة الماضية انه سيؤسس حزباً باسم «تونس الزيتونة» أهم مبادئه تطبيق الشريعة الإسلامية لأن حركة النهضة تخلت عن الشريعة، على حد قوله.
هذه البداية المرتبكة لمؤتمر مناهضة العنف أكدت ان تونس تغرق يوماً بعد آخر في نفق لا أحد يمكن ان يتوقع نهايته. فالعنف الرمزي أصبح هو المهيمن على الحياة السياسية، كما يؤكد انتشار السلاح عبر التهريب من ليبيا أن البلاد مرشحة لسيناريوهات أخطر بسبب الظروف التي تعيشها الجماهيرية السابقة. وقد تم أول من أمس القبض على «إرهابي خطير» وفق بيان وزارة الداخلية على صلة بالمجموعة المتحصنة منذ حوالي شهرين في جبال الشعانبي، آتياً من ليبيا.