القاهرة | الوقوف الى جانب المتظاهرين، الوقوف الى جانب الحاكم، الوقوف على الحياد بتأمين المؤسسات العامة والخاصة؛ تلك هي الخيارات الثلاثة التي من المفترض أن تختار وزارة الداخلية أي واحد منها مع اقتراب موعد تظاهرات 30 حزيران. ورغم أن وزارة الداخلية كانت سبباً رئيسياً في انطلاق شرارة ثورة «يناير» لتحيّزها المعلن لنظام حسني مبارك، وغموض موقفها حتى الآن بالنسبة إلى النظام الجديد، غير أن ثمة مؤشرات جرى رصدها خلال الأيام الماضية، تدل على حالة من الرفض المتزايد في صفوف الشرطة للنظام الإخواني، وصل إلى حدّ هتاف عدد من ضباط الداخلية بسقوط الرئيس محمد مرسي، أثناء مشاركتهم في جنازة زميل لهم. الموقف الرسمي لوزارة الداخلية ممثلاً بالوزير اللواء محمد إبراهيم، المصنف من قبل كثيرين بأنه إخواني، متأرجح ما بين اقتصار دور الشرطة خلال التظاهرات على حماية المنشآت العامة، والابتعاد عن أماكن التظاهر، وخاصة قصر الاتحادية ومقار الأحزاب السياسية، وما بين النزول فعلياً الى ميادين التظاهر. ارتباك موقف وزير الداخلية قابله حسم من رئيس الوزراء هشام قنديل خلال بيان رسمي صادر عن مجلس الوزراء يوم الخميس الماضي بأن الشرطة ستشارك في تأمين تظاهرات 30 حزيران الى جانب حماية الممتلكات العامة والخاصة وتأمينها. لكن ضباط الشرطة أبدوا انحيازاً واضحاً ضدّ الرئيس وجماعته، وقد تجلى هذا الأمر بقوة عندما رددوا هتاف «يسقط يسقط حكم المرشد»، خلال مؤتمر جمع ما يزيد على 2000 منهم، لمناقشة موقف الضباط من تظاهرات تنحية الرئيس مرسي، انتهوا خلاله إلى رفض القيام بأي عمل شرطي في ميادين التظاهر، سواء الداعية أو الرافضة لحكم مرسي، مبررين ذلك بأنهم لن يكرروا ما حصل خلال ثورة «25 يناير»، ولن يقفوا في مواجهة الشعب مرة أخرى. وحسب البيان الصادر عن نادي ضباط الشرطة، وهو كيان نقابي لضباط الشرطة تم تأسيسه عقب الثورة، فإن «الضباط لن يقوموا برفع أي عصا أو سلاح في وجه أي متظاهر سلمي»، مضيفين «سنلتزم الحيادية الكاملة ولن ننجرف إلى السياسة ولن نؤمن أى مقار حزبية أو سياسية مهما كانت انتماءاتها».
الخبراء الأمنيون انتقدوا الموقف الرسمي لوزير الداخلية، بالقدر نفسه الذي رفضوا فيه موقف ضباط الشرطة، معتبرين أن تلك الحالة من التخبط، التي يعانيها الجهاز الأمني في مصر، هي نتاج تاريخ طويل من اتباع سياسة القمع، سواء قبل الثورة أو بعدها. واعتبروا أن وزير الداخلية يريد أن يبرّئ ساحة وزارته وضباطه من أي أعمال قتل قد تحدث خلال التظاهرات، لكنه ترك الباب مفتوحاً بإعلانه حماية مؤسسات الدولة.
وقال مساعد وزير الداخلية السابق وأستاذ إدارة الأزمات اللواء عبد الفتاح البديني، لـ«الأخبار»، إن «موقف وزارة الداخلية وضباط الشرطة يشجع على العنف»، مضيفاً إنه «لا يمكن وفقاً للعلوم الأمنية أن يختار الضباط الأماكن التي يحمونها والتي لا يحمونها»، مشدداً على أنه «من واجب الشرطة أن تؤمن جميع المواطنين، سواء كانوا حكاماً أو معارضين»، مشيراً إلى أن رفض تأمين المقار، التي من الممكن أن تتعرض للخطر هو تدخل في السياسة وتقاعس عن أداء الواجب». لكن هذا الموقف، لا يجب أن يحول دون اتخاذ إجراءات وقائية من شأنها الحفاظ فعلاً على سلمية التظاهر، مثل القبض على شبكة البلطجية ومثيري الشغب ومموليهم قبل الموعد المحدد للتظاهرات، وهو ما لم تفعله الداخلية حتى الآن، بحسب البديني، مشدداً على أن وزارة الداخلية لا تزال تستخدم عدداً كبيراً من البلطجية ومثيري الشغب في أعمالها. أما المواطنون، من جانبهم، فقد رأوا في موقف الداخلية تمهيداً لانسحاب ثان للداخلية بعد انسحابهم الأول في 28 كانون الثاني عام 2011.