تونس | لأول مرة في تاريخ تونس وربما في التاريخ العربي الإسلامي سينفذ أكثر من مئتي إمام وموظف مسجدي (مؤذنون - منظفون) إضراباً عن الطعام خلال شهر رمضان هذا العام. هذا ما أعلنته نقابة الأئمة بعدما اتهمت وزير الشؤون الدينية نورالدين الخادمي، بسعيه إلى عزل الأئمة الخارجين عن حركة النهضة، فيما أُفسِح المجال للسلفيين ليتصرفوا في المساجد كما يحلو لهم بعيداً عن رقابة الدولة. هناك ١٠٠ مسجد من جملة خمسة آلاف مسجد خارج سيطرة الدولة، حسبما توضح الإحصائيات الرسمية، لكن النقابة تقول إن العدد أكثر من ذلك بكثير وقد تم ضبط أسلحة بيضاء وقنابل مولوتوف في بعض المساجد في مناطق مختلفة من البلاد.
مرصد «إيلاف» لحماية المستهلك أنجز دراسة شملت ٩٨٧ مسجداً في تونس الكبرى بمحافظاتها الأربع (تونس العاصمة ــ أريانة ــ بن عروس ومنوبة) والتي تضم نحو ٢٠ في المئة من سكان البلاد، يقول إن ٥٢ في المئة من الأئمة تم تغييرهم بعد الثورة بضغط من التيارات المتشددة وان ٧٦ في المئة من هذه المساجد يؤم صلاة الجمعة فيها أئمة دون مستوى البكالوريا.
وأكدت الدراسة أن ٣٨ في المئة من المساجد يعتمد أئمتها خطاباً تحريضياً مُنحازاً لحزب السلطة «النهضة» التي تتهمها الأحزاب السياسية ونقابة الأئمة بالسيطرة على المساجد وتوجيه خطابها لتكفير المعارضين السياسيين والنقابيين.
لكن الخادمي ومستشاريه يصرون على أن المساجد تعمل في مناخ من الحرية وأنه لا صحة لهيمنة الوزارة عليها، ويعد بحل الإشكاليات العالقة في قرابة ١٠٠ مسجد خارجة على سيطرة الدولة. أما إضراب الأئمة وموظفي المساجد عن الطعام في فترات الافطار مساءً خلال شهر رمضان، فيأمل الوزير الوصول إلى حل مع النقابة في إطار التفاوض مع الاتحاد العام التونسي للشغل.
بعد سنوات من سيطرة حزب التجمع الدستوري الديموقراطي الحاكم (المُنحل) تحولت المساجد منذ اليوم الأول لرحيل الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، إلى ساحة مفتوحة للمعارك التي وصلت إلى العنف الجسدي بين أنصار «النهضة» والسلفيين وبين السلفيين ومواطنين عاديين يترددون على المساجد من دون خلفية سياسية. ووصلت الخلافات داخل المساجد إلى حد تبادل العنف في رمضان.
لقد فوجئ المصلّون بخطاب ديني تكفيري يحث على «الجهاد» في سوريا ويعلن «الحرب» على العلمانيين، ويعادي حقوق المرأة ويدعو إلى النقاب والفصل بين الجنسين. خطاب غريب على المجتمع التونسي.
فالمساجد التي يُفترض أن لا يُذكر فيها إلا اسم الله، لعبت دوراً كبيراً في تعبئة الشارع ضد القوى الديموقراطية في انتخابات تشرين أول الماضي. كذلك كان عدد كبير من الأئمة وراء الاستعداء والتحريض على المبدعين والصحافيين والنقابيين. وتتهم أحزاب المعارضة حركة النهضة وحلفاءها من حزب التحرير والسلفيين بالسيطرة على المساجد وتوجيه خطاب الأئمة ضد المعارضة.
بعد السيطرة الواضحة لحركة النهضة والسلفيين على المساجد بتنصيب الأئمة الموالين، هجر عدد كبير من التونسيين المساجد التي تحول بعضها إلى مقار للتيارات السياسية المتشددة.
في هذا الوضع من التجاذب السياسي اعتبر عدد من الباحثين في علم الاجتماع من المهتمين بالمشهد التونسي اليوم أن سيطرة المتشددين دينياً على المساجد كانت وراء تنامي التشدد وارتفاع عدد الجهاديين في مالي وسوريا.
ومع اقتراب شهر رمضان وإعلان الأئمة الإضراب عن الطعام، يبدو أن المساجد ستشهد خلافات ومعارك ربما أكثر حتى من العام الماضي.