القامشلي - لم ينقرض الآشوريون السريان في سوريا بعد. لكنهم، بالفعل، باتوا يخشون هذا المصير، إن طال عمر الأزمة. يرى ساستهم أنّ موضوع الهجرة هو أكثر ما يثير مخاوفهم. ويؤكدون أنّ عددهم بدأ يتناقص بنحو خطير، مبررين انخفاض نسبة الزيادة السكانية عندهم بوجود أسباب دينية وحضارية، وكذلك عوامل سياسية واقتصادية دفعت أعداداً كبيرة من أبنائهم للهجرة إلى خارج البلاد.
هجرة الآشوريين من سوريا ليست وليدة اللحظة، ويوضح مسؤول المكتب السياسي لـ«المنظمة الآثورية الديموقراطية»، في سوريا، كبرئيل موشي كورية، أنّ «الهجرة بدأت منذ قيام دولة الوحدة بين سوريا ومصر عام 1958، عندما فرضت قيود كبيرة على ثقافتهم. حينها لجأ عدد كبير منهم إلى لبنان، ومنها إلى أوروبا وغيرها، جراء اشتداد الحرب الأهلية اللبنانية. ولا إحصاءات دقيقة لأعداد الآشوريين السريان في سوريا، الذين يقدر عددهم تقريباً بنحو 200 إلى 250 ألفاً».
ومع بدء تصاعد وتيرة العنف في سوريا، بدأ الآشوريون يفكرون جدياً في الرحيل، وخاصة بعد عودة الهواجس والمخاوف التي كرسها انعدام الاستقرار والأمن. ويكشف كورية لـ«الأخبار»، أنّ «نسبة المهاجرين الآشوريين، خلال العامين الفائتين، وصل إلى نحو20%». ويضيف أنّ الكثير منهم حالياً ينوون الهجرة، مشيراً إلى تنامي حالة «عدم اليقين» في إمكانية تحسن الأوضاع مستقبلاً.
الخوف من «البديل الإسلامي المتطرف» أسهم أيضاً في ارتفاع أعداد المهاجرين. لذلك، يلاحظ كورية أنّ الغالبية «لا تفضل الانتظار».
الآشوريون ممثلون بمقعدين اثنين في «الائتلاف» المعارض، ويرون أنّ سوريا الديموقراطية هي تلك التي يعترف دستورها بالآشوريين (سريان/ كلدان)، شعباً أصيلاً؛ تضمن كافة حقوقه ضمن إطار وحدة البلاد. ويقولون إنهم لا يثقون بأية دولة دينية، مهما كان شكلها؛ إذ ليس من المعقول «استبدال الاحتكار القومي أو الحزبي باحتكار ديني».
ويرى كورية، وهو مسؤول أهم حركة آشورية في سوريا، أنّ هناك أموراً أخرى أثّرت في نمط الحياة والتفكير عند الأشوريين، «الذين يتطلعون إلى دولة علمانية يقودها القانون ويسودها مبدأ المواطنة». فهناك شعور بالضعف «والأقلوية عند الآشوريين، ولدى المسيحيين عموماً». فالضعف الديموغرافي، وكذلك عدم الميل إلى التسلح «جعل الآشوري يشعر بأنه غير محميّ».
وفيما يرى مهتمون بالشأن أنّ من «المحزن» أن يكون ردّ الفعل السريع للآشوريين هو الهجرة، يعتقد كورية أنّ الواقع المعيشي السيئ الذي يعيشونه، كما غالبية السوريين، أسهم أيضاً في زيادة عدد المهاجرين. ويلفت إلى أن لا وجود لأي دعم أو مساعدة خارجية تذكر للآشوريين «على عكس ما يتصور البعض»، سواء على مستوى الدول أو المنظمات الدولية.
وما يزيد من المخاوف على وجودهم، هو هجرة الشباب، سواء الطلاب الذين لم يستطيعوا إكمال جامعاتهم، أو العسكريون الذين فروا من جيش النظام. بالإضافة إلى هجرة الكفاءات من أطباء ومهندسين وغيرهم. ويمضي كورية بالقول: «المؤسف أن هذا النوع من الهجرات لا طريق رجعة له، وبالتالي هذا يؤثر على مجمل الوجود»، بحيث أصبح هذا الوجود «شبه معدوم» في بعض المناطق.
يتوزع الآشوريون في محافظات حلب والحسكة ودمشق، وكذلك في ريف حمص، ويتبعون ست كنائس. وغالبيتهم ما زالت تحتفظ باللغة السريانية. ويقول كورية إنّ البعض فقد خصائصه اللغوية وتعرّب، يستثنى من ذلك «الروم الأرثوذكس» و«الكاثوليك» الذين كان يطلق عليهم في ما مضى اسم السريان الملكيين «ومعظمهم تعرّب وهم يشكلون القسم الأكبر من مسيحيي سوريا».
نزحت أعداد كبيرة من آشوريي حلب بعد تدهور أوضاعها الأمنية، كما كان لحالات الخطف في مدينة الحسكة انعكاسات سلبية، أسهمت في زيادة نسبة الهجرة. يكشف كورية أنّ فقدان الأمن في محافظة الحسكة الآمنة نسبياً باستثناء معارك رأس العين (سري كانيه) أثرت كثيراً على وجود الآشوريين.
وكان يعيش في رأس العين نحو100 أسرة، لم يبق منها اليوم، سوى20. ويدعو كورية «إلى إبعاد الحسكة عن الأعمال العسكرية، لأن هناك خوفاً وجودياً على هذا المكون الأصيل» في سوريا. ويستدرك المسؤول الآشوري، قائلاً: «لم يُستهدَف المسيحيون فقط في سوريا، بل هي حالة عامة، بمعنى أن الدمار الذي يصيب بعض المناطق يكون شاملاً».
في موازاة ذلك، تعمل الحكومة التركية حالياً على إنشاء مخيّم جديد شرق مدينة «مدياد» التابعة لولاية ماردين. سكان المدينة أفادوا «الأخبار» بأنّ المخيم معد للمسيحيين. ويعلق كورية بأنّ إقامة مثل مخيمات كهذا يولد «مخاوف من أن هناك محاولات لتهجير شعبنا». وأشار إلى أنه بعد اتصالات عدة اتضح لهم أن المخيم مخصص لبعض الأسر الآشورية المقيمة في تركيا لتخفيف العبء عن الأديرة هناك. وسبق أن لفتت مصادر كنسية في سوريا، إلى أن المخيم مخصص لاستقبال الآشوريين، فيما لو انتقلت المواجهات المسلحة إلى محافظة الحسكة. ويرى كورية أن «مثل هذه الخطوة تثير شكوكنا وتقلقنا»، مضيفاً: «ندعو كافة الحكومات والكنائس إلى أن تعزز مقومات بقاء شعبنا في الوطن، لا أن تدفعه إلى الهجرة».