«ليش تعاملوا معنا الفلسطينيين اللبنانيين هيك؟ ليش؟ ليش؟». يكرر الرجل الخمسيني سؤاله لي وكأني املك جواباً يبرد حرقة قلبه. «فالغربة» التي احسها بين ابناء المخيمات في لبنان لم تكن متوقعة، كما يقول. عبوسي في وجه الفلسطيني النازح من سوريا لم يكن غضباً من تصنيفه الفلسطيني «لبناني» و«سوري»، انما الماً مما وصلت اليه الحال.
هل إن خروج الفلسطيني من ارضه جرده جزءاً من هويته؟ ام انه على مبدأ «من عاشر القوم 40 يوم» اصبح الفلسطيني «لبنانيا وسوريا واردنيا»؟ يعود ليشرح لي كيف دافع «الفلسطينيون السوريون» عن بيوت «الفلسطينيين اللبنانيين». لا يقنعه جوابي بأن الحرب ضد الاسرائيليين في لبنان من المفترض انها كانت جزءاً من عملية التحرير ومحاربة المشروع الصيهوني. يصرّ مجدداً على انهم «هم» كانوا وقود الثورة، وكأنه يتوجب على الفلسطينيين «اللبنانيين» ردّ الجميل. مفهوم هجومه القاسي، فنحن لسنا في زمن الانقسام السياسي فحسب، بل ايضاً الانقسام الاجتماعي. رفاقه في الاعتصام امام مقر الانروا في بيروت، يحمّلون الوكالة مسؤولية وضعهم المزري. يرون ان التقصير ليس مسؤولية ابناء شاتيلا او برج البراجنة، فببساطة «فاقد الشيء لا يعطيه». لكن الانروا ايضاً «لن تعطيه». ليس لانها فقدته بل لانها لم تستمع الى مطالبهم، حتى بعد اكثر من شهرين من اعتصامهم امام مقرها. وبالتأكيد «لن تعطيه»، لأن احد موظفي الانروا «التقال» قال لي بسخرية «اسأليهن كم كرتونة صاروا آخدين!! مش عم يفهمو انو ما في تمويل». بالطبع لن يفهم «تبع الانروا» ان المشكلة ليست بالكرتونة ولا بالرز والحفاضات. المشكلة انهم نزحوا بعدما لجأوا، ولم يجدوا «ما يجمعهم مع فلسطينيي لبنان».
يحاول شيخ من بينهم مراضاتي «فكلنا فلسطينيين واسرائيل هي التي هجرتني بالـ48، وقتلت الفلسطينيين بلبنان، والان اجا دورنا بسوريا». طيب عظيم!! اذا كنا متفقين على ان الحق على اسرائيل في كل مصائبنا، ونحن متفقون على ان الامم المتحدة وبالتالي، الانروا التابعة لها، تدعم اسرائيل بكل شيء.. فلماذا ما زلنا نتظاهر ونعتصم امام الانروا والاسكوا والامم المتحدة، كلما ساورتنا المحن!! ولماذا لا نتوحد تحت المظلة الجامعة لكل الفلسطينيين، منظمة التحرير الفلسطينية؟ خصوصاً ان الفلسطينيين في مخيم اليرموك كانوا اول من تسجل لانتخابات المجلس الوطني، الخطوة الاولى لاعادة هيكلة المنظمة. هم احسّوا «بالسخن» وبأنهم يخسرون بعض الحقوق التي حصلوا عليها. والفلسطينيون في لبنان «يحسّون بالسخن»، وكذلك في الاردن واوروبا واميركا. فأكثر ما يؤلم ان تسمع جملة تشعرك بأن الفلسطينيين لم يعودوا كتلة بشرية واحدة، بل شعوباً وقبائل، لا يتشاركون الحاضر، بعدما افترقوا على مفاصل تاريخية اساسية.