مستنداً إلى النجاح النسبي لوقف إطلاق النار، ورغبة في استثماره «لتحقيق المزيد من الاستقرار»، أجّلت الأمم المتحدة استئناف مفاوضات «جنيف 3» إلى التاسع من الشهر الجاري. الحوار السوري ــ السوري الذي سيبدأ دون تعديل في الحضور يشكّل فرصة لتثمير هدنة الميدان للدفع بعجلة الحلّ السياسي، أو في المقابل، فإنّ أي تعثّر في جنيف قد ينعكس مجدداً على نقاط الاشتباك على طول الخريطة السورية. إذ إنّ صواعق التفجير حاضرة عبر رغبة موسكو في «إقفال الحدود التركية في وجه الإرهابيين» المتسللين، وفي تأكيد أنقرة الدائم أنّ لديها قواعد اشتباك خاصة بها، أساسها اعتبار «الوحدات» الكردية منظمة إرهابية. وقال مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، إنّ المنظمة الدولية ستؤجل الجولة القادمة من محادثات السلام ليومين «لإعطاء الفرصة كي يؤتي وقف
الأعمال القتالية الذي بدأ سريانه منذ يوم السبت ثماره بتحقيق المزيد من الاستقرار». وأضاف: «سنؤجلها حتى بعد ظهر التاسع (من آذار) لأسباب لوجيستية وفنية وأيضاً حتى يستقر وقف إطلاق النار بدرجة أكبر». وكان من المقرر بدء المحادثات في السابع من آذار.
بدوره، قال نائب المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، إن منظمته لديها خرائط بشأن الموقف العسكري في سوريا، منذ بدء سريان العمل باتفاق «وقف الأعمال العدائية». وحول طبيعة هذه الخرائط، أوضح أنّ «لدينا خرائط عامة، وهي توضح الموقف على الأرض منذ بدء سريان هذا الاتفاق، ونحن على علم بحدوث انتهاكات للاتفاق، ولكن نسعى إلى عدم انتشار الخروقات. كذلك، لدى الجانبين الروسي والأميركي خرائطهما الخاصة بهما، وبدورنا نعوّل على التنسيق بين الجانبين». وأضاف: «أعتقد أنه ستُرسَل الدعوات إلى نفس الوفود والشخصيات التي شاركت في جولة المفاوضات السابقة، ولكن من المبكر لأوانه الحديث عن ذلك الآن».
في موازاة ذلك، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن نظام وقف إطلاق النار في سوريا بات أكثر ثباتاً، مشيراً إلى أنّ شركاء موسكو في الأمم المتحدة يقوّمون إيجابياً تنفيذَ شروط الهدنة. وفي كلمة ألقاها في الدورة الـ31 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، أشار إلى أن «تخفيف الوضع الإنساني البائس في سوريا يُعَدّ من أولويات الأمم المتحدة، وأن لا سبيل لمعالجة الأزمة الإنسانية في البلاد غير تثبيت وقف إطلاق النار وبدء حوار سوري ــ سوري شامل حول مستقبل وطنهم، والذي على السوريين وحدهم تحديده دون أي تدخل خارجي». وأشار إلى أنّ هزيمة «النصرة» و«داعش» «تعدّ شرطاً لا بد منه لضمان حقوق الشعوب المنكوبة في سوريا والعراق وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأسرها». وأضاف أن المهمة الأولى في هذا السياق هي منع تدفق الدعم الخارجي إلى الإرهابيين، الأمر الذي يستدعي «إغلاق الحدود السورية مع تركيا التي يجري عبرها تزويد العصابات بالأسلحة». ومساء أمس، أعلنت وزارة الخارجية الروسية أنّ لافروف ونظيره الأميركي جون كيري جدّدا التشديد في مكالمة هاتفية على ضرورة التعاون لضمان إنهاء الاقتتال في سوريا، و«انصبّ تركيز المكالمة على تنفيذ المبادرة الروسية ــ الأمريكية لوقف الاقتتال في سوريا والقرار ذي الصلة الذي أصدره مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة».
من جهته، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية جون كيربي إن بلاده لم تتلقّ أي تقارير عن انتهاكات كبيرة لوقف إطلاق النار خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية. وأضاف، في بيان صحفي، معلقاً على تراجع القتال منذ بدء الهدنة أنّ «النتائج الأولية مشجعة».
من جهة أخرى، انتقد نائب رئيس الحكومة التركية، يالتشين أكدوغان، استراتيجية الولايات المتحدة في سوريا، ودعاها إلى الكف عن «الثقة بمجموعة إرهابية صغيرة»، في إشارة إلى «وحدات حماية الشعب» الكردية.
وقال، في مقابلة مع وكالة «فرانس برس»، إن «حزب الاتحاد الديموقراطي ووحدات حماية الشعب هما جزء من حزب العمال الكردستاني. إن تبديل الاسم لا يبدل الطبيعة». وقال أيضاً إنّ «تركيا ليست معنية بوقف إطلاق النار. قالوا لنا إن الهدنة لا تعني الإرهابيين. ولكن بالنسبة إلينا، فإن حزب الاتحاد الديموقراطي منظمة إرهابية. وتركيا لها قواعدها الخاصة لفتح النار والدفاع عن نفسها ضد أيّ تهديد يوجه ضدها». واستبعد أكدوغان تماماً أية فكرة للتدخل البري الأحادي في سوريا، قائلاً إنّ «تركيا لن تشنّ عملية أحادية. تركيا ليست بلداً يقوم بمغامرات. نحن لسنا بلداً محباً للحرب». وجدد التأكيد أنّ «من المهم أن تتحول منطقة بعرض 8 إلى 10 كلم بين الحدود التركية ومدينة أعزاز السورية إلى ممر مساعدات، يقيم فيه لاجئون مدنيون وطالبو لجوء كي يستفيدوا من الحماية».
إلى ذلك، قال عضو «الهيئة العليا للتفاوض» رياض نعسان آغا، إنه لم يجرِ إخطار «الهيئة» رسمياً بخطط الأمم المتحدة لعقد جولة ثانية من محادثات السلام، وإنه لا يمكن البدء في مناقشات جدية قبل إطلاق سراح المعتقلين ورفع الحصار المفروض على عدد من المناطق.