حلب | الامتحانات كانت امتحاناً قاسياً، على مديريات التربية السورية، فغالبية المدارس تغصّ بالنازحين، وبعضها تعرض للتدمير خلال المعارك، ما صعّب من المهمة. في حلب، وللمرة الأولى، تحتضن جامعتها طلاب المرحلة ما قبل الجامعية لأداء امتحاناتهم، نتيجة وجود عشرات آلاف النازحين في عشرات المدارس في المناطق الخالية من تهديدات المسلحين.
حرمان التلاميذ التعليمَ في مئات المدارس، ومن ثم إجراء الامتحان، أذكى نار الغضب في نفوس المسلحين المسيطرين على مناطق ريفية يشكل التعليم رافعة اجتماعية لأبنائها.
رشا صالح من منطقة الميادين، قالت لـ«الأخبار»: «لقد منعنا مسلحو أمن الثورة من اصطحاب أطفالنا إلى دير الزور لأداء امتحانات شهادة التعليم الأساسي (التاسع)، وقالوا لنا إنّ النظام يتخذ الأطفال دروعاً بشرية لصدّ هجمات الثوار، والائتلاف المعارض سينظّم امتحانات خاصة في شهر آب فلا تقلقوا». وحسب صالح، فإن عدداً من التلاميذ من عائلات المسلحين، الذين منعوا عدة سيارات كانت تقل تلاميذاً، سمح لهم بعبور الحواجز والانتقال إلى دير الزور لتقديم الامتحانات، ما أدى إلى مفاقمة غضب الأهالي، بالأخص بعد الاعتداء على طالب وسائق سيارة ناقشا المسلحين لثنيهم عن قرارهم، وإطلاق نار على سيارة أخرى تقل تلاميذ.
كذلك تجمّع عشرات الطلاب في الميادين شرقي دير الزور، ورفعوا الأعلام السورية وهتفوا ضد المعارضة و«جبهة النصرة». وعلى طريق الموحسن ــ دير الزور، أطلق مسلحون النار على حافلة صغيرة كانت تقل تلاميذ هتفوا نصرة للرئيس السوري احتجاجاً على قيام المسلحين بمنعهم من العبور إلى دير الزور.
وقال طبيب، رفض الكشف عن اسمه: «ابنتي وزميلاتها توعدن المسلحين بأنهن سيرفعن صور الرئيس بشار الأسد ويهتفن له في حال منعهن من تقديم الامتحانات، وقد فعلن ذلك لدقائق في قلب الميادين، ونحن الآن في حالة خوف من المداهمات الليلية التي يقوم بها مسلحو النصرة».
في درعا جنوباً، حذّرت جماعة مسلحة تدعى «سرايا الكرامة»، في بيان مصور، أهالي غرب محافظة درعا من إرسال أبنائهم إلى مدينة نوى لأداء الامتحانات. واتهم البيان النظام بتنظيم الامتحانات ليستدرج الطلاب لسحبهم إلى الخدمة العسكرية، واستخدام الطلاب والمعلمين دروعاً بشرية. وأضاف البيان، الذي ألقاه مسلح: «سوف نحمّل المسؤولية... كل المسؤولية لمن يغامر ويقامر بمناصرة النظام بهذا الأمر من معلمين وآباء وطلاب وسائقين وموظفين في إدارة التربية (مديرية التربية)، وسوف نحاسبهم على هذا إن جرى لأولادنا أي عاقبة من هذه الأمور».
بدوره، قال علاء سويد، من أهالي المنطقة، لـ«الأخبار»: «نرفض أن يقوم مسلح جاهل لا يحمل شهادة إعدادية بتهديدنا ومنع أبنائنا من تقديم الامتحانات، هذه سياسة تجهيل ومؤامرة على الشعب في درعا». وانتقد سويد، وهو معارض كما عرّف نفسه: «صمت قيادات المعارضة ونشطاء حقوق الإنسان، وعدم تدخلهم لدى المسلحين لثنيهم عن ممارساتهم التي جعلت الثورة كابوساً على ذوي الطلاب». واعتبر أن منع التعليم هو «جريمة قتل المستقبل ولا تختلف عن جريمة قتل الإنسان».
وفي السياق، أشار مدير التربية في محافظة درعا، وائل المحمد، في تصريحات إلى أنّ نسبة الحضور في امتحانات درعا في اليوم الأول بلغت 70% من الطلاب المسجلين.
وفي إدلب، شهدت مناطق بنش ومعرتمصرين وكفرنبل احتجاجات على منع التلاميذ من التوجه إلى مدينة إدلب لأداء الامتحانات. أحمد قطيني، وهو مهندس وأب لطالب في الصف التاسع، لفت إلى أنّ «حواجز مسلحي المعارضة قامت بمنع ومضايقة ركاب السيارات القادمين من مناطق أريحا والمعرة وخان شيخون وجبل الزاوية وسراقب، وفتشت مَن أعمارهم بين 13 و16 سنة للتأكد من عدم وجود بطاقات امتحانية معهم». بعض الأهالي لجأ إلى استباق الامتحان بتأمين مسكن قريب من المركز الامتحاني لتجنب التطورات الأمنية أو منع التلاميذ من التوجه لأداء الامتحان، كما جرى في مناطق كثيرة العام الماضي.
ميساء رجوب روَت أن عائلتها استقبلت «ثلاثة من أقاربها من ريف حلب وإدلب قبل أيام من الامتحان، خشية منعهم من الدخول إلى حلب». أحد أقربائها، واسمه نبيل، قال لـ«الأخبار»: «مدرستنا في القرية كانت مغلقة طوال العام واعتمدت على الدروس الخصوصية، وخشينا ألا يسمح لنا بعبور الحواجز إلى حلب فحضرت إلى بيت ابنة عمي قبل خمسة أيام».
من ناحيته، قال ياسر جبلاوي: «قضية الامتحانات أثرت كثيراً على الثورة، وأنا واحد من الناس الذين تظاهروا ضد النظام، لم نتظاهر لكي يدمر جهلة مستقبل أولادنا، قدمت من الباب إلى حلب، واستأجرت شقة بثلاثين ألف ليرة من أجل امتحان ابنتي». وأضاف أنّ «كثيراً من أبناء أقاربي حُرموا الامتحانات بسبب سوء التحضير، فالمدارس معظمها مغلقة أو بسبب ضعف وضعهم المالي».
بالمقابل، شهدت مراكز الامتحانات في المناطق الآمنة ومدن مراكز المحافظات إقبالاً طبيعياً، فيما كانت الرقة المحافظة الوحيدة التي لم تنظم فيها امتحانات، حيث دعت وزارة التربية طلاب هذه المحافظة إلى أداء الامتحان استثنائياً في أيّ مركز امتحاني بالمحافظات الأخرى. «لم تجر امتحانات لشهادة التعليم الأساسي وفق «منهاج الثورة» المختلف عن منهاج وزارة التربية السورية، والذي تدرسه مدارس خاصة تابعة للمعارضة في بعض المخيمات التركية وبعض مناطق سورية نتيجة إغلاق كثير منها والمصاعب التي تواجهها التجربة»، يروي أحد المعارضين الناشطين. ويضيف: «أُجريت امتحانات لصفوف المراحل الانتقالية، لكن شهادة التعليم الأساسي إن أُجريت ومُنحت شهادات للتلاميذ فلن تكون مقبولة في المدارس التي يسيطر عليها النظام، والتجربة كلها بصدد المراجعة حفاظاً على مصالح التلاميذ، وهنالك توجيه إلى أن تجري بعد انتهاء امتحانات النظام». وكانت قد انتشرت في عدد من مدارس المناطق السورية الحدودية وفي بعض المخيّمات مدارس تعتمد مناهج مغايرة للمنهاج التربوي السوري، بعضها عُدِّل جزئياً عن المنهاج السوري، وبعضها بات يعتمد على دروس الشريعة بشكل أساسي ويهمش المواد العلمية والموسيقى والرسم، إلا أنّ التجربة باءت بالفشل على ما يبدو نتيجة سحب الأهالي لأبنائهم منها بعد الاستياء الشعبي من ممارسات الاسلاميين المسيطرين عليها.